أدب وفلسفة

علي هامش الفلسفة الإسلامية

أ. خالد تورين

وبما أن الفلسفة سؤالُ للكينونة حسب التفكر الهايدغري،  فهل يحق لها أن تنزل منزلة الكائن بما هي حال وظرف ونعت وسياق وتعين ؟؟ تكون الفلسفة كذالك إذا وفقط إذا كانت الكينونة ذاتها في إمكان قيام مقام الحال والظرف والسياق؛ فقيام الكينونة في الحال والحدث تناقض مع كون الكينونة التي من ضمن سماته الجوهري تجاوز ما هو حالي وظرفي. وإلا كانت الكينونة كوناً للكائن وليست كوناً للكينونة وهذا خلف.

بمعني ما هل للكينونة دال ؟ هل لها الإمكان في أن تحتويها وتحتضنها مسمي او إشارة ؟ هل لها من تعين ؟ ومن مشروعية تلك الاسئله وإمكانها فقط يجوز السؤال حول ما إذا كانت الفلسفة ذاتها تقوم مقام الكينونة في إنها قابلة ومستعدة أن تتعين وتتجسد في الزمكان؟ ام أنها تكون وتقوم مقام الكينونة التي تتجاوز كل اطار وسياق وفضاء ومنه تكون الفلسفة وكفي بألفها ولامها متجاوزاً الكائن لكي تتطابق وتتماثل مع ذاتها ، دونما اضافة صفة او نعت تدل وتشير علي الحال والظرف؟ بمعني ما هل تكون الفلسفة عبوراً للحدود وتجاوزاً للزمانية والمكانية، بما إنها إنهمام  وانشغال دآئب بالوجود والعدم وكون المعنى والحياة والفناء وبحث في شرط إمكان الوجود ؟ ام علي النقيض من ذلك فإن الفلسفة لا تكون بألفها ولآمها إلا وهي فارغة ، جوفاء،  حتي تمتلئ بوقوعها في سياق ما وحال ما ، فتصبح الكينونة نفسها قد تلوثة ووحلت في سياق الأرض بدلاً تجردها السماوي؟

ام إنها المفارقة!! في إزدواجية كون الكينونة وبالتالي ازدواجية أن تكون الفلسفة بما هي سماء وأرض،  تجرد وتجسد ، ثبات وتحول ، واقعة ومثال ، تورط وبراء ، صفاء وشوب ، جسد ورح ، تراب وهواء ، ماء ونار ؟ فلا يمكن للفسلفة والكينونة ذاتها إلا أن تكون هي ولا هي في الوقت عينه ، ذات الهوية والصفة والحال وفي نفس الوقت، لا الهوية ولا الصفة تكون هي . كل تلك الاسئله والمفارقات تمهد الطريق للذهاب الي سياق  وهوامش الفلسفة الإسلامية،  تكون ذلك ممكناً إذا وفقط إذا تم الإعتماد علي فكرة كون الفلسفة الإسلامية جائزة او ممكنة . ومن المعلوم سلفاَ تلك المطارحات والمناطحات الواسعة التي دارت وما زلت حول أحقية الفلسفة في أن تكون عربية ام لا ؟ إسلامية ، اوربية،  افريقية،  اغريقية،  شرقية ام لا ؟ فيما يتعلق بإمكانية كون وجود فلسفة إسلامية من عدمه، تطرح المسألة من جوانب عدة:

منها ما يتعلق بحجة المضمون لا شكل، لا مراء في أن القالب قالب الفلسفة ولكن الفلسفة ليست تأويلاً وتعليقاً فحسب وإنما ابداعاً واختراعاً وحرث ارض جديدة، هكذا يحاجج أنصار رفض كون الفلسفة الإسلامية،  بإعتبار إنها مجرد إعادة تدوير وزرع للفلسفة اليونانية نفسها وبالأخص ( الافلاطونية منها والاروسطية ) اي أن الفلسفة الإسلامية وفقاً لهذا الرأي ماهي إلا تصريف آخر لما هو اغريقي ولسيت لها من الجدة في شئ، ولا تعدو أن تكون مجرد شرح للفسلفة القائمة( اليونانية )، وابن رشد وابن سيناء والفاربي والكندي ليسوا إلا أصداء لافلاطون وارسطوا وافلوطين، فليس ادل علي ذلك من أن مفاهيم الفلسفة الإسلامية مثل ( واجب الوجود، ممكن الوجود، العقل الكلي ….. الخ ) هي نفسها تعادل وتزن مفاهيم الفلسفةالأغريقية ( المثال، الواقع، الصورة، الشكل، الوجود بالقوة، الوجود بالفعل، المحرك الذي لا يتحرك …….الخ . وفي سياق الرد علي ذلك وفي الضفة الاخري يمكن قول : وهل الفلسفة شيئاً آخر غير إنها فلسفة علي الفلسفة.

إنها  تنويع  وتوزيع وتصريف لها  لكي تكون فلسفة مرة اخري ؟ وهل الجدة هي جدة الجدة ام أنها جدة القادمة والعراقة؟ وبها تصبح الفلسفة ليست شيئاً آخراً إنها التأويل والشرح واللعب والراهن علي الهوامش والهوامل ايضاً، فلا فلسفة إلا وهي فلسفة علي الفلسفة وشرح للمتن وإيجاد للموجود،  مثلما أن كل حاضر هو حضور للماضي وكل مستقبل هو حضور للحاضر.  وبهذا الحجة تبطل حجية عدم إمكانية قيام فلسفة إسلامية من جهة كونها صدي للفسلفة والحكمة الاغريقية.

فالمفارقة الفلسفة هي مفارقة الكينونة، وهي ذاتها مفارقة الوجود في كونها ذات سياق يتجاوز كل سياق، ذات هوية تنفي الهوية، ذات حدود تخرج عن كل حد. وعليه فإن الفلسفة الإسلامية هل إسلامية من حيث لا إسلاميتها، وبذات اروبية من حيث تجاوزها لأوروبا،  وهي تستوطن افريقيا من جهة الهجرة منها.

تتموضع وتندرج الفلسفة الإسلامية( إصطلاحاً)، ضمن المحيط العام للفسلفة عبر رافد خاص من روافدها وهي الفلسفة الوسيطة. بغض الطرف عن التصنيف وما يمكن أن ينتج عن مجادلة حول إمكان الفلسفة الوسيطة بعامة والاسلامية علي الوجه الأخص،  فإن للفلسفة الوسيطة تعارفاً ، سمات وسيماء تخص أفق تفكير بعينه تجعلها دون الفلسفات الاخري( اصطلاحاً ). إن أبرز ما يكونه سيماء الفلسفة الوسيطة في أنه علي تشابك وتماس وإلتحام مع الدين؛ حيث أن الدين وقد القي بظلاله الكثيفة عليها تكون دورنها في فلك الدين وليس العكس في أن الدين يجب أن تدور دآئرتها؛ ذلك على عكس ماكانت عند الفلسفة اليونانية( القديمة ) حيث تدور في فلك نفسها سابحة في الهواء الطلق دونما تأثير ظلال الدين الكثيفة عليها، وكما حال الفلسفة الحديثة التي تدور فلك العلم وتحمل وزره.  وليس ادل من أن لاوعي الفلسفة الوسيطة بعامة والإسلامية بالخصوص هو الدين، في مسماها ( الفلسفة الإسلامية/ الفلسفة المسيحية ) علي الرغم من فلتان الاسم( الدال ) من مسماه( مدلوله ) علي الدوام .

وابعد من ذلك في التدليل علي تدين الفلسفة الوسيطة هي القضايا والمفاهيم التي تأسسها وتأطر ها، واولي تلك القضايا هي القضية الميتافيزيقة الكبري ( الله )؛ ماذا عساه أن يكون ؟ ما الذي يجعله ممكناً ؟ ما طبيعية كونه ؟ قولاً واحداً ما الله؟ وإذا كان الكامل هو ويفترض ويتضمن كونه، فكيف له أن يكون وفقاً للإفتراض؟ ولكن لا يكون الله إلا من كون العالم ، والعالم لا يكون إلا في نقصه، فإذا كان الأمر كذلك ما شأن الكامل بالناقص؟ ما علاقة الله بالعالم ؟ كيف للكمال أن يصدر منه النقص ؟ كيف للواحد الأحد أن يكون منه الكثير ( العالم) ؟ الخير المطلق بما حق  فأني للشر أن يكون ؟ تلك الاسئله والمزيد منها شغلت الفلسفة الإسلامية علي وجه الخصوص والفلسفة الوسيطة علي الأعم ، علي الرغم من ملازمة تلك القضايا والاسئله للفسلفة في كل مراحل كونها وتجليها.

الغزالي ( متكلم الفلاسفة وفيلسوف المتكلمين ) في كتابه تهافت الفلاسفة، بين ووضح تهافت فلاسفة الإسلام وبطلان فكرهم في ثلاثة مسائل، فليكن تلك المسائل الثلاثة التي بدع فيها الغزالي فلاسفة الإسلام( الفاربي وبن سيناء ) نقطة إرتكاز للوقوف علي أطلال وحواف ولاوعي الفلسفة الإسلامية.  القضايا الثلاثة التي ينكر فيها الغزالي علي احقية الفلاسفة المسلمين هي :   أن الله لا يعلم الجزيئات، والثانية في قولهم بأن العالم ازلي سابق علي الزمن وليس محدث بالزمان وفي الزمان، المسألة الثالثة في أن البعث والقيمومة مرة أخري لاتكون إلا بالارواح وليس بالأجساد.  ومن المعلوم أن بن رشد فيلسوف الإسلام الآخر رد علي الغزالي في كتابه ( تهافت التهافت ). حوار  الغزالي وبن رشد وغيرهم في تلك الموضوعات يُبين الفرق والاختلاف والإتفاق ايضاً بين طريقة التفلسف والطرق الاخري في معالجة موضوعات الدين ، فالفلسفة ليست اللاهوت وعلم العقيدة في تناول مفاهيم ( الله ، الوجود،  العالم ، النبوة ، الإنسان،  الروح ، الجسد ، الآخرة ….. الخ ) .

فلننظر الي المسألة الأولى التي إعترض فيها الغزالي علي الفلاسفة وانكر احقيتهم في كونهم مؤمنين، مسألة كون الله لا يعلم ( يدرك)  الجزئيات؛ المفارقة في هذه المسألة هو أن الله في كونه الله في كماله لا يحق له أن لا يعلم، لإن علمه مطلق العلم، وفي ذلك خلف، تلك حجة الغزلي ومن لف لفهم. ولكن الحجة المضادة علي ذلك ،تكون حجة بن رشد ومن نحي نحوه، وهي الحجة الداعمة لفكرة أن الله لا يحق له معرفة الشئ جزئياً بما هو كمال مطلق، ذلك لإن في الجزء إنفصال وحيز وحد وبالتالي نقص، غير أن الجزء دوماً هو حدث والحدث ملحوق والملحوق لا يكون إلا في الزمان والمكان، وتلك صيروة ونقص وحاشا للكامل أن يعتريه النقصان، أضف الي أن كون الله يدرك الجزئي هذا يعني أن المعرفة تكون بعدية وليست قبليه بما أن الجزء بعدي وحدث في الزمكان. وعليه تكون معرفة الله للجزئي معرفة كائنة حيث لم تكن من قبل، وبالتالي قبل الحدوث لم تكن الجزء ولم تكن المعرفة، وتلك تناقض في كون الله مطلق. والسؤال إذاً ما الذي يمكن أن يعرفه الله دون الجزيئات حسب الحجة الرشدية،  الله في كونه الله لا يدرك الا الكل والإدراك عنده قبلي وليس حدث زمكاني ( بعدي )؛  وعليه فأن يُعرف الشئ في إطلاقيته  تكون في مثاليته وليس في واقعيته وحدوثه؛  معرفة الحدوث هي معرفة البشر الفانيون والمحدودون في السياق ولا يليق بكون المطلق الازلي؛ وبالتالي الشئ بما أنه قبلي عند الله فإنه ازلي وبالضروة، وازلية الشئ تكمن في وجوده بالقوة، وبالتالي تكون وجوده كفكرة ومفهوم  وليست كواقعة، ومن هنا تكون الفكرة والمفهوم بما هو ازلي ( مثال ) خارج الزمان والمكان ( السياق ). وتكون الفكرة عند الله من حيث الازل حيث لا حيث وعند لا عند، وبما أنه موجود ( فكرة الشئ ) من الأزل فأنه مطلق، وإطلاقيته وازليته تجعله من ذات الله نفسه بما أن أخص صفات الله هو الإطلاق والازلية.  فتكون فكرة الشئ هو عين الله،  وليس الله غير الفكرة المطلقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى