كتب

الإسلام والسياسة في السودان: تأليف محمد سعيد القدال

عرض وتلخيص عطا برشم

مقدمة:

محمد سعيد القدال كاتب وباحث سوداني، حاصل علي درجة الدكتورة في التاريخ، وصاحب عدد من المؤلفات منها هذا المؤلف الذي نقدم لمحة مختصرة عنه وهو عبارة عن دراسة تقع في مئتان وأربعة وثلاثون صفحة، تتناول تاريخ الإسلام في السودان وارتباطه اللاحق بالسياسية نتيجة للتحولات التي حدثت في البنية الإقتصادية للسودان. فهو يقدم تعليلات ماركسية للارتباط الذي حدث بين الدين الإسلامي منذ توقيع اتفاقية البقط وحتى نظام نميري الذي طبق القوانيين الإسلامية خاصة بعد المصالحة الوطنية.

ابتدأ المؤلف كتابه بشرح الكيفية التي دخل بها الإسلام إلى السودان وهي طريقة تختلف عن الكيفية التي دخل بها الإسلام بقية البلدان. فبعد فتح مصر حاول المسلمين تأمين حدودهم الجنوبية ولكن صلابة النوبة حالت دون فتح السودان. أدي ذلك إلى توقيع اتفاقية البقط لتيسر التبادل التجاري بين بلاد المسلمين وبلاد السودان. واستمرت الإتفاقية زهاء السبعة قرون. ويطرح الكاتب سؤالين هنا: كيف تحول الإسلام الي دين رسمي للبلاد؟ وما أثر هذا التحول علي مستقبل الإسلام في السودان؟

فبعد أن فتحت إتفاقية البقط التجارة بين بلاد المسلمين والسودان بدأ المسلمين في الإنتشار التدريجي في السودان أدي ذلك بدورة الي إستقرار البعض وساعد علي الاختلاط بينهم وبين المجموعات المستقرة سلفاً، ورغم ذلك حافظ المسلمين علي قدر من الترابط بينهم فكان قيام أول مسجد لهم في مملكة سوبا، التي اخذت في الاضمحلال التدريجي، وانتهت إلى دويلات عديدة. وبازدياد تدفق العرب تحول النظام السياسي والأيدولوجي للدولة، وقد ساعد النشاط التجاري في إنتشار الإسلام؛ بسبب دعوة بعض التجار إلى كبار العلماء لزيارة المناطق والدعوة للإسلام. وكانت للصوفية إسهامات كبيرة في توطين الإسلام، ثم شهد القرن التاسع عشر حقبة الإستعمار التركي المصري، هو الذي  بلور نظامه الجديد وساهم في تراكم رأس المال وبروز الطبقة الوسطي، بالإضافة للإنفتاح التجاري العام. وانتهى الحكم التركي المصري بالثورة المهدية، إلا أن الإستعمار الثاني للسودان كان من قبل المصريين والبريطانيين، وكان هذا بحسب المؤلف أول ارتباط بين الدين والسياسة عندما إستعانت القوات الغازية باربعة من الفقهاء يمثلون المذاهب الفقهية الاربعة، وهو اول استخدام للدين في السياسة، لإخضاع المواطنيين والقضاء على الطرق الصوفية؛ مما خلق تناقض رئيسي بين النظام الجديد والفقهاء وقد برر رجال الدين الذين صحبو الحملة كل الأفعال الإنتقامية التي قام بها الغزاة ضد السودايين، وبعد إخضاع السودانيين أسس الإستعمار مؤسسته الدينية الخاصة، يتقاضي علماءها رواتبهم من الدولة، للمساعدة في تطبيق قوانينها، ليكونوا هم النواة التي تقضي علي كل أثار الثورة المهدية. وهنا يطرح المؤلف سؤاليين هاميين: كيف أستطاع اولئك العلماء التوفيق بين عقيدتهم الدينية وانتمائهم الأيدلوجي؟ كيف يمكن إحتواء ذلك التناقض حتى أصبح للعلماء رضا دون أن تعصف بهم حدة التناقضات؟

اما الطرق الصوفية فقد تم إخضاع بعضها وإحتوائها، ومحاربة كل من ابدي اي شكل من اشكال المقاومة وجنوح نحو الإستغلال، واول من تعاون مع الحكم الغازي هي الطريقة الختمية بقيادة محمد عثمان المرغني، وقد كان إستعمار السودان نتاج التحولات الإقتصادية العالمية نحو الانفتاح الراسمالي وتجاوز مرحلة الإقطاع، وقد صاغ الإستعمار سياساتة تجاة الدين عبر عدد من المراحل. مهاجمة الدولة المهدية وإظهار سلبياتها مما وجد صدئ عند حلفاء الدولة المهدوية وجعل البعض منهم يظهر قدراته في الدفاع عنها وعن معتقداتها، قمع الحركات الدينية وإستعمال اقصي درجات العنف ضدها، احتواء بعض الحركات الدينية التي خضعت للإستعمار، وقد قام كتشنر في اول خطبة له بمهاجمة المهدي والخليفة في تفسراتهم للدين، واستعان بالتجاوزات التي حدثت بحق بعض زعماء القبائل والطرق الصوفية، وأكد بانهم جاووا بامر من الخديوي لهدم اركان الدولة المهدية، وإقامة مؤسسة شرعية مبنيه علي العدل والاستقامة، وعندما زار اللورد كرومر أكد علي إحترام الاديان رغم محاربتهم لرجال الطرق الصوفية، وصلت لحرمان بعضهم من إعادة تشييد القباب التي تم تدميرها اثناء الثورة المهدية، وقد كانت هواجس المهدية تسيطر علي السياسة البريطانية تجاه السودان، فظلت تطارد أثار الثورة التي تتجلي بين الحين والآخر فما الاثار التي خلفتها هذة السياسة؟ وهل يعلم من قادو الحركات الثورية أن حركاتهم محكوم عليها بالفشل؟ واذا كانو يعلمون ذلك لماذا اقدمو عليها؟ وهل كانو مدركين للظروف المحيطة بثورتهم؟ الا ان هذا الحراك ظل مسيطر رغم محاولات الاستعمار بناء مؤسسات دينية تساعدة علي توطيد حكم البلاد، أستعان فيها بالعلماء الذين تلقوا تعليماً سنياً وبإستقرار زعماء الختمية في مصر اثناء وبعد الثورة المهدية كسب الاستعمار علاقة مميزة بهم، وقد تجاوزت الختمية دورها في الدعم الداخلي بل قادت إتصالات مع شريف مكة وكذلك بالسيد علي دينار، واستمرت الجهود الي ان تم اقناع السيد عبدالرحمن بمرافقة الوفد الذي سافر الي لندن لتهنئة الملكة بانتصار بريطانيا في الحرب العالمية الثانية.

ثم بدأت الحركة الوطنية في التشكل بعيدة عن التاثير الديني فكرياً وتنظيمياً، فكان الشعور بالقومية هو الدافع الأساسي للحركة الوطنية، إلا أن التركيز علي الوحدة الدينية والتراث الإسلامي قي بناء هذا الشعور كان أحد أخطاء الحركة الوطنية كما يورد الكاتب، خاصة في دولة تتعدد فيها الأديان واللغات، وحتي قيام ثورة 1924م فلفتت إنتباه الإستعمار إلى طبقة الشباب التي بدأت في التشكل بعيداً عن الطائفية. مما جعل الطائفية تتقرب لهذا الجيل وتجذبة للتعاون معها، خاصة بعد أن اتضح أن النخبة ما زالت بعيدة عن الريف الذي تسيطر عليه الطائفية، الأمر الذي جعل الطائفية تعيد تمركزها في السياسة عبر التسوية بل حاولت تجيير النخبة مما أدي إلى إنقسامها إلى فيليين وشوقيين، واستمرت قلة منهم مستقلة تتخذ من مجلة الفجر وسيلتها لنقد الطائفية التي رأوا فيها أزمة البلاد. وقد استمر هذا التدخل مما أثار قلق الإستعمار الذي قام بدوره بتحذير السيدين من التدخل في شؤون السياسة.

وأعقب الحرب العالمية الثانية بروز الأحزاب السياسية، وقد انضوت الأحزاب الإتحادية تحت طائفة الختمية وتأسس حزب الامة تحت رعاية عبدالرحمن المهدي. ولحق ذلك ظهور الأخوان المسلمين كتشكيلات سياسية دينية. وقد اتضح ثقل الطائفية في انتخابات 1953من وكان التحالف لإسقاط حكومة الأزهري هو تعبير عن مدى تحكم الطائفية السياسي، وفي 1957م ظهرت الدعوات لقيام دستور إسلامي مما ساعد علي توسيع الهوة مع الجنوب، وأعلن دخول الإسلام حلبة التنافس السياسي بشكل اكبر. وعقب ثورة اكتوبر 1964م برزت مجدداً الدعوة للدستور الاسلامي وكثف الهجوم علي الشيوعيين مما أدي إلى حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ويرجع المؤلف هذا الحادث الى عجز القوى التقليدية الرأسمالية عن مجاراة التحول نحو الاشتراكية بعد أن أظهرت هذه القوى قدرتها العالية على التنظيم فتم استغلال الدين مع حمي الصحوة الاسلامية للتخلص منها.

إلي أن جاء نظام النميري الذي علل إنقلابه علي النظام الديمقراطي بقطع الطريق أمام صعود الإسلام السياسي واستغلال الطائفية للاسلام هذا أدي بدورة إلىتكتل الطائفية والأخوان المسلميين ضد نظام جعفر نميري. وبعد فشل إنقلاب دبره الإسلاميين والطائفية اتجه النميري للتحالف مع الأخوان المسلمين لسد ضعف السند الجماهيري الذي ظهر بعد الانقلاب فاعلن التوجه الديني الجديد لنظامه، وأخذ في الاهتمام بالمساجد والاحتفالات الدينية وشيوخ الطرق الصوفية، وابتدأ في التبشير بنموذج القيادة الرشيدة وأعلن في انتخابات الجمهورية الثانية برنامجة الاسلامي للقيادة. وبعد إعلان فوزه قام بزيارة مكة كأول فعل يعبر عن التوجه الجديد وقرر تصفية كل مصانع الخمور، وتوالت الإجراءات حتى وصل لقوانيين سبتمبر 1983م وليصدر هذا النوع من القوانيين تواصل مع الأخوان المسلميين والشريف حسين وعقد المصالحة الوطنية، وتبع ذلك تعيين الصادق المهدي عضو في المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي ثم مشرفاً سياسياً لدارفور ثم نائباً عاماً ومستشاراً لرئيس الجمهورية، وايضاً تعيين معظم القيادات البارزة في نظام الاخوان المسلميين في المناصب العليا. وفي 1977م تأسس بنك فيصل كابرز تجلي للراسمالية الاخوانية ودخول حركة الاسلام القطاع الإقتصادي، وتم توسيع لجنة اعادة النظر في القوانيين لتتماشي مع الشريعة وقال الترابي بان السودان سيكون اول دولة بعد باكستان تطبق قوانيين إسلامية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى