
أدب وفلسفة
أخر الأخبار
“تمثيلات الآخر فى قصص إبراهيم اسحق القصيرة”: د. صديق أمبده معقبا على بروفيسر محمد المهدي بشرى
تعقيب علي مداخلة البروفيسر مهدي بشرى حول قصص ابراهيم اسحق (جائزة الطيب صالح دورة 2014)
تعقيب علي مداخلة البروفيسر مهدي بشرى حول قصص ابراهيم اسحق (جائزة الطيب صالح دورة 2014)
د. صديق أمبده
20 January, 2021
(أنشر هذه المداخلة القديمة بمناسبة سفر المبدع الكبير الروائي والقاص الاستاذ ابراهيم اسحق للاستشفاء بالولايات المتحدة-تكساس مع أمنياتنا له بالشفاء العاجل والعودة لنشاطه الثقافي والابداعي الجم الذي افتقده الوسط الثقافي في السنوات الأخيرة. النص قدم في إحدي جلسات المؤتمر وكان يرأسها الشاعر السفير عمر عبد الماجد ولم ينشر علي حد علمي).
تقديم
الروائي والقاص ابراهيم اسحق له في مجال الرواية: حدث في القرية 1969؛ أعمال الليل والبلدة 1971؛ مهرجان المدرسة القديمة 1976؛ أخبار البنت مياكايا 1980؛ وبال في كليمندو1999 و فضيحة آل نورين؛ وفي مجال القصة القصيرة له عدة مجموعات منها: ناس من كافا 2006؛ عرضحالات كباشية 2011 وحكايات من الحلالات 2013 ؛ وله في مجال الدراسات “هجرات الهلاليين من الجزيرة العربية” 1996 والحكاية الشعبية في أفريقيا 1977 بالاضافة الي مقالات عديدة بالصحف السودانية والعربية. وربما أفضل ما وقع في يدي من تقديم للكاتب والروائي ابراهيم اسحق هومقال بعنوان “شوقار الخريف اللِّين” كتبه الشاعرعالم عباس عنه منذ أن كان في المدرسة الأهلية الوسطي بالفاشر( وكان معاصرا له في المدرسة). تناول المقال ،الذي نشر في جزئين في سودانايل في ديسمبر 2018، شخصية ابراهيم اسحق وقراءاته وكتاباته بافاضة.
ومما جاء فيه قول عالم “سألته عن أعماله قبل (حدث في القرية)، قال لم تكن لديه أعمال قبلها وذلك لأنه أحرق كل ما سبقها! قال إنه كتب روايته “حدث في القرية” ” و هو في سنته الجامعية الثالثة وبعد أن قرأ أكثر من ثمانين رواية في ذلك الوقت لوليم فولكنر وهمنجواي و ديكنز و جراهام قرين و تولستوي وكل أعمال جيمس جويس وغيرهم من رواد الرواية الحديثة ونقادهم!”. وفي رأي ربما ذلك هو ما قاده الي إختيار اسلوبه وإدخاله اللهجة الدارجة الهجين في الحوار لإقليم طرفي مثل دارفور ليغامر بقبول كتاباته في فضاء ثقافة الوسط السائدة ولو بعد عقود، وليكون رائدا في القيام بما لم يقم به الإعلام الرسمي في التعريف بلهجات اطراف السودان المختلفة.
النص
يستحق البروفسير محمد المهدي بشرى الإشادة على مثابرته في إضاءة الجوانب المختلفة للتجربة الإبداعية لعدد من الروائيين ومن بينهم الروائي والقاص ابراهيم اسحق ، والذي يقول عنه الأستاذ مهدي “انه بموهبته الإبداعية الضخمة، وبمنتجاته الثقافية من الروايات والقصص القصيرة والاوراق البحثية والتنقيب عن التراث ، قد كان احد الذين تسيَّدو المشهد الثقافى السودانى فى الخمسة عقود الماضية” .
اكرر شكري للاخ الدكتور مهدي و ساكتفى بالتتبع المنهجي لورقتة المقدمة بعنوان “تمثيلات الآخر فى قصص إبراهيم اسحق القصيرة” ولاننى لست بناقد ربما يجد الحضور لي العذر فى خلو هذه الملاحظات من المصطلحات والمفاهيم السائدة فى النقد الادبي.
ملاحظاتي على الورقة
يقول البروفسر مهدي أن الدراسة تحاول رصد صناعة الآخر فى قصص ابراهيم اسحق القصيرة. ويشير الى أن دراسة الاخر علم تطور وازدهر كثمرة من ثمار الاهتمام بالهوية او الذاتية . و اشار تحديدا الى دراسة “الإستشراق” لادوارد سعيد والى ندوة الجمعية العربية لعلم الاجتماع ، ولكن للأسف لم يتعرض الأستاذ مهدي لما ورد فى الدراستين من أفكار أساسية حول الآخر بالتلخيص ، وكان الأوفق ان يتم ذلك، علما بان توضيح المصطلحات هو شئٌّ مهم للنقاش .
تعتمد ملاحظاتي على مراجعة قناعات الأستاذ مهدي الأساسية المتمثلة في الاتي:
(أ) آل كباشي (رواة أغلب القصص) بحكم وجودهم منذ أزمان بعيدة فى الرقعة الجغرافية ذاتها جعل منهم هوية متماسكة صارت هى الذات ، بينما صارت الهويات المتعددة التي تساكن آل كباشي هى الآخر . (ب) تتعدد صور الآخر فى قصص ابراهيم اسحق ، فالآخر هو الغريب الحكيم وهو الميت أى الجثة ، وهو اللص وهو المجرم القادم من المدينة ليغوى فتاة القرية البريئة ….الخ وهكذا عادة ما تكون صورة الآخر سلبية وفى مرات نادرة تكون العكس “
أمثلة الآخر الإيجابي
الغريب ذو الصفات الحميدة والنادر الوجود في تمثيلات الاخر في قصص ابراهيم اسحق ، يمثله عند الأستاذ مهدي بشرى الفكي عبد المولى في قصة ” الفجوه في حوش كلتومة” الذي زوَّجه آل كباشي أرملة النعمان ود كباشي ، وما كان له ان يُقبل في مجتمع الدِّكه لولا ورعه وعلمه ، ولولا “أنه أصفر مربوع القامة وسيم القسمات ” . ويقول الاستاذ مهدي ان مثل هذه الصورة (الغريب الحكيم) لا تتكرر كثيرا فى نصوص إبراهيم اسحق.
لكننا بعكس ما يرى الأستاذ مهدي نرى أنها تتكرر وهنالك أمثلة ليست قليلة للاخر الايجابي/المشكور. ففى قصة “راعيات عنز كردفاليات ” نجد مسعود ود كباشي يقول عن علِى ود صويلح –أحذ سائقي اللَّواري الذين زاملوه فى طريق الغرب يقول ” كم أحببته يا عبد الغفار … عمرى كله ما شاهدت سائقين من هذا الطراز، . لا يسف ولا يسب الناس ، ولا يرضع السيجارة ، ولا يسكر ولا يجرى ورا النسوان . أهو دا والله الفحل ياتٌم (من هم) اولاد الحلال البمسكوا تيرابو ” (ناس من كافا ص : 209) . وهناك أيضا عبد الصادق ود نور الدائم في قصة “الرجال السلاحف” الذي تقدم ووضع ألأساس لبناء المسجد ، لأن شرط ذلك أن يكون الرجل كامل العفة لم يزنى فى حياته قط . وهناك شمسين ود ناكور البلالاوى الذي صمد أمام حمودة ود بسوس من أبناء أحد أعيان الدِّكه فى “البطان” فى الصفقة (اللعب) أمام الجميع في قصة “تسعيرة قارورة بلالاوية ” وحتى سمير ود الفيزانية “اللص” تمت الإشادة بمناقبه المستحقة . وهناك الكاجاوي الحكيم والخبير بأمراض العيون الذي عالج العمده ود عنقلو في ” وبال فى كليمندو ” . واذن فليس دقيقا القول بنُدرة الآخر الذي يتم الثناء عليه وعلى صفاته.