قراءة ومقتطفات من كتاب الحزام السوداني جغرافيته وتاريخه الحضاري
لمؤلفه عبدالهادي الصديق
بقلم : محمد على أحمد ( مهلة )
في هذه المطالعة للكتاب سألخص ما أورده عبدالهادي الصديق في كتابه – الحزام السوداني جغرافيته وتاريخه الحضاري ٢٠٠٥م – بالتركيز علي المشتركات بين مجتمعات الحزام بغض النظر عن إختلافي أو إتفاقي مع مجمل الرؤية والخلاصة التي توصل إليها المؤلف.
لقد مهَّد عبدالهادي لرؤيته بتقديم نقداً لمعايير التقسيم السياسي الإداري والاستعماري الذي تم في مؤتمر برلين ١٨٨٤م – ١٨٨٥م، للحزام السوداني وطالب بإعادة تعريفه من منطلقات حضارية شاملة؛ تقوم على تبني نظرية تنطلق من واقع التداخل الأفقي التدريجي للحزام السوداني، من السنغال إلي وادي النيل والبحر الأحمر. ويعتبر أن المنطقة الفاصلة ما بين الغابة والصحراء تمثل في حد ذاتها كيانا له خصائصه المميزة التي تمنح المنطقة السودانية تعريفها الحقيقي، ويطالب بالأخذ في الإعتبار عملية التدرج التاريخي الطويل للإمبراطوريات السودانية العظمي، خلال ثمانية قرون من التفاعل، التمازج، الإنصهار، وإنسجام النسيج الإنساني، القبلي، الديني، العرقي؛ مما جعله يمثل “موازييك” حضاري إفريقي متفرد وغني من المحيط الأطلسي إلي المحيط الهندي. يقول عبدالهادي أن الحزام السوداني تجمع بين أطرافه عوامل المناخ وطبيعة الأرض الزراعية الصحراوية والأنهار والمنتجات الزراعية؛ مثل القطن، الذرة، الفول السوداني والصمغ العربي؛ والتي شكلت ملامح الإقتصاد الزراعي لدول الحزام منذ تحول المجموعات البشرية من رعاة إلي مزارعين؛ وأثَّرت في تحديد ملامح العلاقات الإجتماعية والتطورات السياسية. هذه العوامل البيئية والمناخية أفرزت سلسلة من الظواهر الملازمة لواقع الحزام السوداني؛ مثل الجفاف والتصحر والمجاعات والنزوح أو الهجرة، وآفات الجراد الصحراوي والتشابه في أنواع الأمراض المنتشرة علي طول الحزام كالعمي، الجزام والكساح. ويوصل عبدالهادي الصحراء بالغابة؛ ويقول أنها ـ أي الصحراءـ لم تمنع تواصل وتلاقي المجموعات حتي المترتفعات في الكامرون وشمال نيجيريا وجبل مرة، لم تشكل عائقا أمام تدفقات المجموعات البشرية؛ وأن الصحراء لم تكن يوما خالية من السكان الذين يتداخلون عن طريق الرعي أو التجارة. والناس في مناطق حوض النيجر ينتجون ما يشابه إنتاجية الأرض في حوض النيل ومنطقة الجزيرة في أواسط السودان من قطن وغلال. وتنوع السافنا الفقيرة حيث النباتات الشوكية والصغيرة، والسافنا الغنية حيث الغابات الكثيفة، وإمتداد أرض الحزام أفقيا من أقاصي الغرب إلي الشرق من حيث الرعي لتربط ما بين الرعاة في أقصي غرب إفريقيا من قبائل (البيل) مرورا بـ(الفولاني) ثم (القرعان) في بحيرة تشاد و(البقارة ) و(الأبالة) في دارفور وكردفان؛ إلي (الكبابيش) و(الشكرية) و(الهوارة) حتي قبائل (البجة) في أقصي شرق السودان. وتمتد الظاهرة حتي شواطئ المحيط الهندي عند القبائل الرعوية الصومالية. ويقول عبدالهادي أن العديد من علماء الإجتماع يتساءلون عن سر التشابه بين قبائل البيل والقرعان والهدندوة والقبائل الصومالية؟! ويستمرعبدالهادي في وصف الصحراء الممتدة من موريتانيا حتي السودان الشرقي، ويقول أنها صحراء حديثة من الناحية الجيلوجية؛ إذ أن إنتقالها من أرض زراعية إلي صحراء جرداء لم يتجاوز ثمانية ألف عام. وقد كانت تغمرها المياه والبحيرات فلم يبقى منها إلا بحيرة تشاد، والوديان والواحات المتناثرة في أرجائها، والتي أسهمت بدورها في تسهيل حركة التنقل والعبور. وتتنوع الأنهار في ربوع الصحراء وتتفرع إلي مجموعتين؛ تصب الأولي في نهر النيجر والثانية في نهر النيل. يذكر عبدالهادي المجموعات من جهة الجنوب؛ مثل قبائل (التكرور) أو (التكلور) الذين يسكنون منطقة ( فوتا جالون ) السنغالية وينتشرون حتي حدود نهر النيجر وبحيرة تشاد، وقبائل ( السيرر) الذين يجاورون التكلور وينتشرون حتي ساحل المحيط الأطلسي في غامبيا والرأس الأخضر. وهم الذين كونوا مع قبائل (الولوف) قسما من أول امبراطورية في غانا. أما (الولوف) تتداخل في السُكني مع (السيرر) ويمتدون في المنطقة الجنوبية لنهر السنغال وتلي هذه المجموعات في الوسط مجموعات صغيرة، مثل (السنغهاي) و(الفولاني) و( السوننكة) و(المانديجو). وقد إمتدت فروع هذه المجموعات علي طول الحزام السوداني من الغرب حتي وادي النيل . ويقول عبدالهادي أن للعوامل المناخية المختلفة من بيئة وصحراء وحرارة ورطوبة وتربة وغذاء، لها دور في تحديد الملامح المتشابهة لإنسان المنطقة، ويظهر ذلك في التشابه العفوي في الحزام السوداني؛ من سودان السنغال إلي سودان النيل. ومن ثم يتحدث عن التشابه اللغوي وعن الهجرة كمدخل رئيسي للإتصال بين شرق الحزام السوداني وغربه؛ والإكتشافات الأثرية التي تعزز أسطورة العائلة المالكة المروية التي هاجرت عبر كردفان ودارفور ومناطق بحيرة تشاد قبل أن تواصل سيرها نحو الغرب. وصهر الحديد من وادي النيل في مروي الي سكان تشاد، وشمالي نيجيريا عند (اليوربا) الذين عرفوا الحديد وعبدو الشمس وخراف آمون، وصناعة الفخار ذي الطابع الإفريقي الذي يختلف عن الطابع الفرعوني؛ والمقابر التي في شكل ركام من التراب إلي جانب طريقة الدفن. حيث كان الموتي يستجوبون علي حافة القبر وحولهم زوجاتهم وخدمهم، وتدفن معهم جيادهم وأغلي مقتنياتهم كما كان يفعل الملك السوداني العظيم بعانخي.
تناول عبدالهادي الظواهر المشتركة و المنتشرة علي امتداد الحزام السوداني. ويسرد خلاصة الدلائل من مؤرخين ودراسات للأثار، في أن مملكة غانا هي الإمتداد الغربي للممالك الأثيوبية أي النوبية وترجيح المصادر لأصل سكان أرض السنغال اليوم هم المجموعة الحامية المهاجرة من حوض النيل، ويدلل على ما كشفته أحفوريات ” كومبي صالح ” عاصمة غانا القديمة ومخازن الأدوات الحديدية القديمة في إشارة لمروي (بريمنجهام إفريقيا). وأن الحديد يمر بطريق واضح المعالم عبر جبال النوبة ودارفور إلي بحيرة تشاد والكامرون وشمال نيجيريا؛ وهذا الطريق المتعارف عليه بـ – طريق السودان – كما أورد عدة شواهد تربط بلاد النوبة بغانا. وأوضح طبيعة دور المرأة في الحكم، إستنادا على نسب الأم في ولاية العرش ودور الملكة في إختيار الحاكم وتلقب الملكة أو الزوجة الكبري بلغة الماندنجو باسم (قاسا). وفي دارفور تحمل لقب (الميرم) وفي ممالك النوبة تلقب بسيدة كوش أو (الكنداكة)؛ منهن ” أماني شختي ” و” أماني تيري “. وأن من سلاطين مالي وبرنو من الذين ينسبون إلي أمهاتهم؛ مثل سلطان مالي العظيم كانكان موسي الذي ينسب إلي أمه (نانا كانجو ). وعند إمبراطورية البرنو مثل الماي إدريس بن حفصة. ويلبس الملوك في دارفور الطراطير وفي سنار ” الطاقية أم قرينات” التي تشبه قلنسوة بعانخي ذات الثعبانين .
أسهب عبد الهادي في تناول رحلات الحجيج الهوسا، وتأثير الطريقة التجانية بزواياها المنتشرة في سوكوتو وبحيرة تشاد وسلطنات برنو وودّاي ودارفور وكردفان. تناول ظاهرة إقبال الطلاب التكارير إلي سنار في القرن السابع عشر الميلادي. وأن الشيخ إبراهيم العبودي ذكر أن التكارير قد عرضوا ألواحهم في ألف وسبعمائة وفاتوا في ذلك أولاد العرب. وكان نتيجة ذلك أن تلامذة الشيخ ” الزين بن الشيخ صغيرون ” صاروا شيوخ الإسلام في كل بلاد السودان لوقت من الزمان.
ومنذ ألف عام تقريبا ظل أهالي غرب أفريقيا يهاجرون إلي سودان وادي النيل في طريقهم إلي الأراضي المقدسة. ويذكر عبدالهادي أن إزدياد وتيرة الهجرات عندما تردد نبأ ظهور المهدي، تدفق الآلاف من غرب إفريقيا لمبايعته واللحاق بركب الجهاد إسترشادا بموجهات الشيخ ” عثمان بن فودي ” بأن الجهاد هو الركن الخامس من أركان الإسلام بدلا عن الحج. وقيل أن الخليفة عبدالله التعايشي عزز ذلك وصار الفرد منهم يلقب بـ(الحاج) أو (الحاجة) دون أن يذهب إلي الحج. وعند إنتهاء حقبة المهدية وبداية تأسيس المشاريع الزراعية مع الإستعمار كانوا رصيدا للعمالة الزراعية الشاقة بمشروع الجزيرة وإنتشارهم بمشاريع دلتا القاش وطوكر بشرق السودان. يؤكد عبدالهادي نقده مجددا للسياسات الاستعمارية البريطانية والفرنسية في التقسيمات ويقول إن الحضارات بين غرب افريقيا ووادي النيل جاءت كسلسلة واحدة وحلقات متتابعة:
. سقوط وإنهيار وهجرة ممالك النوبة ٣٠٠م – ٨٠٠م
قيام مملكة غانا ٨٠٠م – ١٢٣٠م ( أقصي الغرب )
. سقوط مملكة غانا ١٢٣٠م
سقوط مملكة مالي وقيام مملكة سنغها ١٢٣٠م – ١٤٦٩م.
. كانم وبرنو ( من القرن الثاني عشر الميلادي )
. ودّاي ودارفور ( القرن الرابع عشر الميلادي )
باقرمي ووداين ( من القرن الخامس عشر).
. مملكة سنار ( القرن السادس عشر )
يتناول عبدالهادي ما يسميه بـ” مفهوم الإسلام السوداني ” ويطالب بتوجيه خصوصية حضارة الحزام السوداني نحو مفاهيم الإندماج والوحدة. ويورد النماذج المشتركة للممارسات الاجتماعية مثل الطقوس الجنائزية وعقود الزواج وتنظيم الأسرة و ظاهرة الفقيه ( الفكي) وسماحة التصوف و (الكرامات)، والطريقة (التجانية) وإنتشارها الكبير. ويسهب عبدالهادي عند تناوله للطقس البيئي والإجتماعي السوداني وتكوين الأمزجة السودانية، وتناول ظاهرة الشخصية التي بين مُؤرخ ومُغنٍ وهي ( القريو) GRIOT وهي لفظة فرنسية لتوصيف الشخصية، وبلغة الماندينغ يسمي ( JELI) أو جيلي وبلغة الولوف (JEWEL) أو جويل ، كما تطلق للمادح الصوفي المتجول بين القري ليمدح الرسول في قري الجزيرة بالسودان وهو ( الجيلي). كما توجد قبائل الجويلية منسوبة إلي نفس الصفة واللفظ بغرب السودان .ويقول أن القريو أو الجيلي أو مادح السلطان برز لأول مرة كمؤرخ حافظ لتاريخ الملوك والممالك . وأيضا ذكر عبدالهادي ظاهرة إستخدام القصب والقرع في الموسيقي بالحزام السوداني.
أما بالنسبة لعادات الزواج: يذكر عبدالهادي أن من عادات الزواج لدي قبائل النيجر ومالي أن يدخل طالب الزواج بيت الفتاة وهو (مقفل الفم) حتي يتكلم الأهل ويبدون موافقتهم فيحتفلون بإعلان الموافقة، حيث يدفع العريس هدية نسميها في السودان (فتح الخشم)، فعند المجتمعات المسلمة يبدأ كل شئ بالفاتحة ويتم عقد الزواج في المسجد ويوزع جوز الكولا عند باب المسجد كتوزيع التمر في السودان. .
عادات الولادة: إن الطفل الذي يولد بعد وفاة أحد أطفال العائلة يطلق عليه أسم شاذ يراد به طرد الأرواح الشريرة، ومع مجئ الإسلام يطلق علي الطفل ولنفس الغرض أسماء أحد الأنبياء أو الرسل الأولين، مثل آدم، عيسي وموسي. وعادة تعميد المولود في يومه السابع بمفهومه الإسلامي والوثني والمسيحي فالتعميد بالماء يعود بأنه أصل الحياة؛ فخصوبة الأرض ترويها مياه النيل وخصوبة المرأة يرويها ماء الرجل، ولإستمرارية الحياة بغسل وجه المولود بالماء في يومه السابع الذي يسمي فيه، ويتم الإحتفال بمرور أسبوع علي الزواج ( السبوع )، وأخذ الأم ( الوالدة ) إلي النهر بعد مرور أربعين يوم من الولادة . ويورد عبدالهادي عادة السيرة أو زفة العرس وتوجهها نحو النيل، حيث يقوم العريس بقطع (جريد النخل ) رمزاً للخضرة والتجدد والفأل.
السلم الموسيقي الخماسي : يقول إنه من أبرز مظاهر الربط الوجداني بين أقاليم منطقة الحزام السوداني (دو، ري، مي، فا، صول، لا ، دو ) حيث ينتشر أفقيا ويشمل جنوب كل من المغرب، الجزائر ، تونس، ليبيا، وصعيد مصر. والدول السودانية هي: السنغال، مورتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو ،تشاد ، وشمال كل من نيجيريا والكامرون وشمال ووسط السودان، أثيوبيا والصومال وأرتيريا وجيبوتي. وهو حزام ذو سمات وملامح بيئية مشتركة إنعكست علي مستوي الموسيقي، والتي تحتفظ بالقيم الإنسانية الوجدانية.
يورد عبدالهادي مقارنات بين السُّلم السباعي والخماسي ويقول أن الأخير يعبر عن عاطفته وأحاسيسه بالجمال المتوفر حوله وبصورة متكاملة. ويذكر الآلات المستخدمة مثل (الربابة) الطمبور، العود و(الكوري) المنتشرة في أنحاء غرب إفريقيا. فإن جماعات ” غيناوة” يستخدمون آلة ( القنبيري) وفي موريتانيا آلة (التدنبيت) وآلة (الهارب ) الذي تستخدمه النساء. وصفت موسيقي الحزام السوداني بالنغمة الزرقاء أو السوداء والتي خرجت منها اليوم موسيقي (البلوز) blue note والتي حملها الأفارقة من غرب إفريقيا إلي القارة الأمريكية، وأثر اللغات الإفريقية في أغاني الريغي و موسيقي الكاليسبو calypso حيث يسقط الراقص مغشياً عليه في مرحلة من مراحل الذروة. كما الذاكر (المجذوب) عندما يصل الي ذروته وجذبه الروحي ويهذي المجذوب بلغة غير مفهومة هي لغة الوجدان القديم. ويقول عبدالهادي أن الوتر الصوفي هو عامل ربط بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافات الإفريقية المحلية، وحلل ظاهرة (الكرير) في ذكر الله و(النوبة) وممارسة العبادة عن طريق الرقص. و يرجح إنتقال السُّلم الخماسي مع عمليات التبادل الثقافي والتجاري والهجرات علي الخط الأفقي، ويورد تأثيرات للمجتمعات الأخري الأسيوية.ويستشهد بكتابات شعراء الحزام السوداني ليعضد فكرته، كما في مقتطف لخليل فرح؛
من (برنو) ” للريف ” أب علال
فرسان خلا وأولاد حلال
نتلاقي كلنا يا الزلال
في حضنك أولادك حلال
الذاكرة الزرقاء : يقول عبدالهادي أن ( اللونية الزرقاء) (blue) هي شعار الحزام السوداني، فالرجال الزرق والملابس الزرقاء المنتشرة من السنغال وموريتانيا ومالي وجنوب ليبيا وشمال تشاد. وللون الأزرق جذور عميقة في رسومات الجبال في تاسيلي والهقار وفي حضارة كرمة ومدافن الكرو، وكأنه رمزا للخلود وإرتباطه بحضارات الأنهر ( نهر النيجر، ونهر النيل ) وإكتسبا إسمهما من اللون الأزرق . ويقول أن الزرق هم (الفونج)، أزرق توتي. وتناول عبدالهادي لظاهرة إستبدال اللون الأسود بالأزرق كمحاولة من السودانيين لتجاوز مدلول اللون الأسود في الثقافة العربية والذي يحمل قيم سالبة ويقول أن الزراق هو لباس المتصوفة وأن حالة (الحداد ) في مجتمعات الحزام السوداني للمرأة باللون الأبيض وأن الحزن أبيض، ويسترسل عبدالهادي في تحليل هذه الظاهرة وأسبابها البيئية والإقتصادية. فبعض مجتمعات الحزام السوداني يصفون الملبس (بالخَلَقْ) كما في غرب السودان و(بالهِدم ) في وسط السودان. ويستمر في تناول الظواهر المشتركة والتحولات الكبيرة بمناطق الحزام السوداني، ويحلل ما أسماه بحركات الجهاد في إطار حركات التحرر الإفريقية ومنها:
حركة جهاد الشيخ عثمان بن فودي (١٧٥٤م – ١٨١٧م).
. حركة جهاد الشيخ الحاج عمر سعيد تال الفوتي (١٧٩٤ – ١٨٤٦ م )
حركة جهاد ساموري توري (١٨٧٠م – ١٨٩٨م).
حركة جهاد محمد أحمد المهدي (١٨٨١ – ١٨٩٨م ).
حركة جهاد رابح بن فضل الله (١٨٧٩ – ١٩٠٠م).
ويذكر أن جميع هذه الحركات قاومت الإستعمار ولقيت جيوشها حتفها علي أيدي جيوش المستعمر الأوربي. وبين هذه الحركات خيط من الثماثل ويفصل في مناطق وطبيعة حراكها ومشتركاتها. ويورد مقارنة لحركة جهاد الشيخ عثمان بن فودي، وحركة الإمام المهدي بالرقم من الفارق الزمني بينهما والذي يقارب لمئة عام، وأن الزعيمين بدءا دعوتهما في سن الأربعين (الانقطاع للعبادة) و(إعلان الدعوة والهجرة) و(إقامة الدولة سياسيا وإداريا). وينتقل عبدالهادي ليوضح أوجه الخلاف داخل الحزام السوداني ويسميها مشكلة (شمال جنوب) علي طول إمتداد الحزام.
مشكلة الكازمانس في السنغال: منطقة مقفولة جنوب السنغال وتجاور غامبيا تسكنها مجموعات البانوك (Bainouks) ويتحدث سكانها لغة الكريول (Creole) ويقودون حركات مقاومة ضد الحكومة المركزية في داكار، و يرفضون الهيمنة الداخلية كما رفضوا الخارجية أثناء الإستعمار ، وظلوا يطالبون بوضعية خاصة .
الصراع بين السنغال وموريتانيا
يقول عبدالهادي أن الصدامات التي حدثت بين موريتانيا والسنغال جاءت إنعكاسات لصراعات دخلية بين ما يسمي بالبيضان العرب في الشمال والسودان الأفارقة في الجنوب ، وتكونت إثر التطورات الداخلية في موريتانيا جبهة تحرير الأفارقة الموريتانيين (فلام) (Flam)التي تهاجم المناطق المتنازع عليها مع حدود السنغال.
الصراع بين الشمال والجنوب داخل موريتانيا
بين (البيضان) في الشمال من العرب والطوارق والبربر ” الموريين ” و(السودان) في الجنوب من السوننك والولوف والبامبارا . وتأثير قضية الرق ونشوء حركة ( الحراتين ) أي الزنوج المحررين عام ١٩٧٤م
مشكلة ( الطوارق ) في مالي والنيجر
الطوارق قبائل بدوية من ( البيضان ) في الشمال تتوزع في المساحة المستطيلة ما بين الحدود لكل من الجزائر وليبيا (العربيتين)ومالي والنيجر (الإفريقيتين) وإختار الطوارق العنف في التعبير عن قضاياهم ونشوء الجبهة الشعبية لتحرير أزاواد ” Azouad”وتبادلت الدول الإتهامات بشأن نشاطهم وحقوقهم مما تتسبب في أزمة إقليمية.
مشكلة ( شمال جنوب ) في نيجيريا
يذكر عبد الهادي الصراع بين مناطق ومجموعات اليوربا والإيبو مع بقية المجموعات الأخرى، والصراع التشادي ( شمال جنوب ) بأبعاده الداخلية بين العناصر العربية الإسلامية في الشمال والإفريقية (السارا) في الجنوب والصراع الإقليمي مع ليبيا حول منطقة (اوزو) و التدخلات الدولية. ويقول عبد الهادي أنها مشكلة سياسية مفتعلة، قبل أن يحلل تطور ومسار الصراعات بدءاً بإزاحة فرنسا لأول رئيس وزراء بعد الإستقلال (١٩٦٠م) وهو أحمد غلام الله وتنصيب فرانسوا تمبل باي. ثم حركات التمرد الشمالية التي تكونت بنيالا ١٩٦٦م جبهة التحرير الوطني التشادي (فرولينا) (FOROLINAl) التي تضم أحد عشر فصيلا من القوات الشمالية.
ثم مشكلة جنوب السودان
يخلص عبدالهادي إلي أن إشكاليات الخلاف والتناقضات الداخلية وما أحدثه الإستعمار من سياسات وقوانين داعمة للتجزئة والتقسيم في مقابل إمكانية الوحدة داخل حدود مشتركة. وهذا الواقع ما بعد الإستعماري جعل الدول الإفريقية تسعي إلي إستنباط قوانين تسعي إلي تحقيق التوازن والبحث من جديد في عوامل الوحدة الوطنية، وذلك في الطريق والبحث عن الوحدة الإفريقية الشاملة. ويذكر عبدالهادي أن تحقيق التمازج والإندماج والتكامل الإقليمي الإقتصادي Regional & Economic Intigration يمكن تحقيقه عن طريق والإندماج البشري والحضاري الذي شهدته القارة. وأن نتخذ منطقة الحزام السوداني نموذجاً لذلك وخطوة أولي نحو تحقيق وحدة الأقاليم الإفريقية. ويختتم كتابه بتناول آفاق التعاون والتكامل والوحدة للحزام السوداني، مكرراً المشتركات التالية:
الجغرافية من أرض السافنا الفقيرة والغنية والأرض الصلبة، وأرض الساحل الممتد ما بين الغابة والصحراء، ومعدلات الأمطار وتشابه الأنهار والوديان والواحات، وتشابه المحصولات الزراعية (الفول السوداني، القطن، الصمغ والذرة) وترحال الرعاة والإتصال التجاري وتتوحد المنطقة في أزماتها (الجفاف، المجاعة، نوعية الأمراض والآفات والدودة الرملية ) والهجرة المتجاوزة لعوائق الطبيعة كالجبال والهضاب والصحاري الشاسعة.
(Common Hertiage) الإرث المشترك الذي تبلور بفعل التداخل الثقافي والحضاري والإنساني والإقتصادي التجاري لأكثر من ألف عام وتشابه المزاج والملامح والعادات والتقاليد الإجتماعية والمأكل والملبس والمشرب والموسيقي والطبول والإيقاعات والآداب والفنون، والتجارب السياسية.
يوضح عبدالهادي ما أحدثه الإستعمار أن الراهن يبتعد عن إمكانية قيام وحدة شاملة لكنه لا يلغي إمكانية إتخاذ خطوات تقرب بين الدول داخل إطار مفهوم التعاون والتكامل الذي تنادي به مواثيق وقرارات منظمة الوحدة الإفريقية.
أشار عبدالهادي لبعض محاولات التفاهم والوحدة كمؤتمر قمة دول الساحل أو (الدول المتاخمة للصحراء) في ٨ أبريل ١٩٧٦م بمدينة ورقلة الجزائرية، والمؤتمر الثاني في طرابلس نوفمبر ١٩٧٦م، والمؤتمر الثالث بمدينة نيامي عاصمة النيجر ١٩ مارس ١٩٧٧م. والذي حدد أهداف للتعاون الإقتصادي والثقافي وتعزيز علاقات الأخوة والصداقة وحسن الجوار والحوار والتشاور لحل الخلافات بالوسائل السلمية عن طريق التفاوض والوساطة والتحكيم ، وفي مؤتمر قمة الجزائر ٢٤ نوفمبر ١٩٩٣م حيث إنضمت دول أخري مثل السنغال وبوركينا فاسو و موريتانيا . ينادي عبدالهادي بالإستثمار في عوامل التقارب الثقافي والحضاري ويقترح التالي:
- إعادة تنشيط الحوار الثقافي بين شعوب المنطقة من السنغال إلي السودان من أجل التعارف أو إعادة التعارف بتبني مشروع ثقافي يتمثل في بعض الآتي:
(أ) تكثيف عمليات تبادل الصناعات الثقافية المختلفة مثل الكتاب ، السينما ،الرياضة،والمعارض . والتعاون بين الجامعات والمعاهد والمراكز الثقافية ومراكز البحث العلمي والترجمة حول الموروثات المشتركة بين دول المنطقة وتوسيع مجال تبادل البعثات الدراسية بين جامعات المنطقة ومعاهدها المتخصصة ” معاهد الدراسات الإفريقية ”
(ب) تشجيع فكرة إعادة كتابة تاريخ المنطقة علي أسس وطنية إفريقية جديدة ، وإقامة جامعة لدول المنطقة وإحياء موروث جامعة سونكري وتمبكتو ونفض الغبار عن الوثائق المتراكمة في معهد تمبكتو والمعهد الفرنسي لإفريقيا السوداء (IFAN) في داكار .وإنشاء مراكز لتدريس اللغات الوطنية الهامة في المنطقة وإقامة مهرجان إبداع سنوي وإنشاء لجنة ثقافية دائمة بين دول المنطقة تتبني إقامة ندوة دورية منتظمة عن الإرث الحضاري المشترك لمنطقة الحزام السوداني.
إعادة تنشيط التعاون والتبادل الإقتصادي والتجاري والفني علي النحو التالي: 2.
(أ) إنشاء هيئات مشتركة بين الدول تفتح أبواب التبادل التجاري ، وإبرام الإتفاقيات لسد حاجة الأسواق في الدول وإنشاء المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية المختلفة
(ب) هنالك إطار يتمثل في الهيئات المشتركة لسلع مثل الفول السوداني والصمغ العربي وتبادل الخبرات والتجارب في حقول الزراعة والغابات والري ، آخذين في الإعتبار التبادل التجاري التقليدي كتجارة الحدود وبما يمليه التداخل القبلي بين السكان .وإتباع نظرة الحدود المفتوحة بين الدول وإلغاء تأشيرات الدخول وتوفير وثائق العبور ، وتخفيض الرسوم والضرائب الجمركية ، وإبرام إتفاقات جمركية وإتفاقية للعبور (ترانزيت) ، ومراجعة قوانين الهجرة . والعمل علي توحيد السياسات والقوانين وتوطيد أواصر التعاون والتنسيق بين السلطات والمحافظات والإدارات علي الحدود المشتركة ومنحهم سلطات مشتركة لتنفيذ هذه السياسات.
(ج) إقامة مشاريع لتطوير شبكات الإتصال كبناء الطرق البرية، كما مخطط للطريق من لاغوس إلي ممبسا ومن نواكشوط إلي إنجمينا ليرتبط بالطريق الصحراوي من داكار إلي إنجمينا والذي يلتقي بدوره بطريق الإنقاذ الغربي في السودان والذي ليصل إلي بورتسودان ومصوع. وشبكة خطوط السكك الحديدية التي تواصل مسيرتها من الكمرون إلي نيجيريا ومن ثم تتجه غربا وشمالا إلي دول المغرب العربي ودول وسط الحزام السوداني حيث تؤمن هذه الشبكة نقل البضائع من دول الحزام المغلقة land – locked شرقا إلي ميناء بورتسودان أو غربا إلي الدول المطلة علي المحيط الأطلسي. وفي مجال الخطوط الجوية إلي جانب الخطوط العاملة بهذه المنطقة بإمكان إنشاء شرطة خطوط جوية مشتركة علي غرار شركة الخطوط الجوية الأفريقية (Air Afrique) العاملة في دول غرب ووسط إفريقيا الفرانكفونية . كما يجب تطوير وسائل الإتصال السلكية واللاسلكية والإتصالات الحديثة وقنوات التلفزة والإذاعة بمختلف اللغات.
(د) تبادل الخبرات في مجال مكافحة الجفاف والتصحر وإقامة الهيئات والمشاريع والمعاهد المختلفة، والتعاون لمحاربة الأمراض المتفشية في الإقليم، وتبادل الخبرات للتجارب المماثلة في مجال الزراعة والتغذية والعلوم الإجتماعية. ويختم عبدالهادي بأن عوامل التشابه والتقارب والإندماج بين دول إقليم الحزام السوداني حضاريا وثقافي، تشكل أساسا تقوم عليه إمكانية التعاون في المجال الإقتصادي والإجتماعي والإقليمي وكل ذلك يقوم علي مبدأ الإرث المشترك (Common – Heritage) بما يقدم أنموذجا فريداً للقارة الإفريقية كتجربة جادة نحو التقريب بين أقاليم القارة وكياناتها ومنظماتها الإقليمية بما يحقق أهداف القارة المستقبلية في التكامل والوحدة. .
مايو ٢٠٢١م