
13 يوليو 2021
في عام 1974، أصدر الرئيس السابق جعفر محمد نميري قرارًا بتقسيم إقليم كردفان إلى ولايتين: ولاية شمال كردفان وعاصمتها الأبيض، وولاية جنوب كردفان وعاصمتها كادقلي. ظلت ولاية جنوب كردفان محتفظة بحدودها التاريخية التي تحدها من الغرب إقليم دارفور، ومن الشرق ولاية النيل الأبيض، ومن الجنوب منطقتا بحر الغزال وغرب أعالي النيل الجنوبيتين، ومن الشمال ولاية شمال كردفان.
بعد استيلاء الجبهة الإسلامية القومية على السلطة عبر انقلاب يونيو 1989، بدأت في إضفاء طابع ديني وثقافي وعرقي على الحرب الدائرة في مناطق مختلفة من السودان. اعتمدت الجبهة أسلوب التعبئة الدينية بإعلان الجهاد ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكفّرت كل من يؤمن بأفكارها، زاعمة أنها تستهدف العرب والمسلمين، مستندة إلى خطاب إيديولوجي إسلامي وعروبي انتهازي مهزوم (فتوى مجلس علماء المسلمين، مدينة الأبيض، ولاية شمال كردفان، 1992). تم افتتاح معسكرات الجهاد التي احتضنت ما يُسمى بالمجاهدين والدفاع الشعبي على نطاق واسع في السودان، وكان لجنوب كردفان النصيب الأكبر من معسكرات التجنيد، حيث لاقت الفكرة رواجًا وبيئة مواتية، خاصة بعد أن سبقتها مليشيات المراحيل التي أُنشئت في عهد اللواء فضل الله برمة ناصر، المنتمي لحزب الأمة القومي ووزير الدفاع في حكومة ما بعد انتفاضة مارس/أبريل 1985.
في المنطقة الغربية من ولاية جنوب كردفان، لاقت الأفكار الجهادية قبولًا بين مجتمعات البدو الرعاة، الذين كانوا يعانون نزاعات تقليدية حول الموارد بسبب عوامل الجوار. أججت الجبهة الإسلامية هذه النزاعات وحولتها إلى معارك سياسية ودينية وثقافية وعرقية. في عام 1994، صدر المرسوم الرئاسي العاشر القاضي بإنشاء ولاية غرب كردفان، التي اقتطعت الجزء الأكبر من ولاية جنوب كردفان وبعض المقاطعات من ولاية شمال كردفان.
يدور التساؤل حول الأسباب الاستراتيجية التي أدت إلى نشوء ولاية غرب كردفان المقتطعة من ولايتي جنوب وشمال كردفان. بررت حكومة الجبهة الإسلامية آنذاك قرار الإنشاء بالأسباب التالية:
تقصير الظل الإداري.
تأمين الاستقرار السياسي بتوسيع المشاركة السياسية.
توسيع قنوات الديمقراطية والشورى.
تسهيل عملية التنمية.
لكنني، ومثلي كثير من المراقبين، نرى أن الأسباب الاستراتيجية للجبهة الإسلامية مختلفة عن تلك المعلنة، وأن الأهداف كانت سياسية وأمنية وثقافية واقتصادية بطبيعتها، وتتمثل في الآتي:
تحتوي ولاية غرب كردفان على كميات من النفط الخام، الذي بدأت شركة شيفرون الأمريكية التنقيب عنه في فترة سابقة، وحاولت حكومة الجبهة الإسلامية استخراجه. كما أن الولاية غنية بموارد أخرى، مثل الثروة الحيوانية (التي يُقدر عددها بعشرة ملايين رأس على الأقل)، والإنتاج الزراعي المتمثل في الصمغ والحبوب والمحاصيل الأخرى، بالإضافة إلى الكادر البشري الذي شكّل القوة الضاربة التي اعتمدت عليها الحكومة في حربها ضد الحركة الشعبية والجيش الشعبي.
كانت حركة التعايش السلمي والتمازج الثقافي التي سادت في فترة ما قبل اندلاع الحرب بين المجتمعات المتجاورة (المسيرية والدينكا والنوير من الجنوب، والمسيرية والنوبة من الشرق) تعوق أنشطة الحرب، وتهدد الإيديولوجية الإسلامية العروبية للجبهة في المناطق المتاخمة التي تدور حولها المعارك (جبال النوبة وجنوب السودان). كما أدى تأثير خطاب الحركة الشعبية ورؤيتها إلى انضمام عدد من أبناء المسيرية إلى الحركة في وقت مبكر، مثل الكمندر رحمة رحومة، ونيس رمضان، وبري البشاري، وياسين ملاح، ومحمود خاطر جمعة، وآخرين، مما دفع حكومة الخرطوم إلى العمل بجد لتوطين خطابها الإيديولوجي في مناطق المسيرية.
ساعد الاستقطاب الديني والثقافي والعرقي الحاد في السودان، خاصة في مناطق تخوم الحرب، على خلق مناخ ملائم لخطاب الكراهية والعنصرية، وهي الاستراتيجية التي تبنتها حكومة الخرطوم. عمدت الحكومة إلى إنشاء ولايات على أساس عرقي، بدلاً من معايير عدد السكان والمساحة والموارد.
في اتفاقية السلام الشامل لعام 2005، تم تصفية ولاية غرب كردفان ودمجها في ولاية جنوب كردفان، مع إعادة المقاطعات المقتطعة من شمال كردفان إليها. لم تكن لدى حكومة الخرطوم رؤية واضحة حول تصفية الولاية ودمجها. لكن آخرين يرون أن المؤتمر الوطني كان لديه أسباب غير معلنة للتصفية، تتمثل في:
أُنشئت الولاية لخدمة أغراض الحرب بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية، وبعد توقيع اتفاق السلام، سقط أحد أهم أسباب إنشائها تلقائيًا.
يمتلك سكان جبال النوبة ولاءً سياسيًا للحركة الشعبية، مما يؤثر على نشاط المؤتمر الوطني في ولاية جنوب كردفان. وبما أن غرب كردفان كانت من مناطق نفوذ المؤتمر الوطني سياسيًا وأمنيًا، فإن دمجها يعني احتفاظه بمعاقل في المنطقة.
وفقًا لبروتوكول تسوية النزاع في جنوب كردفان الوارد في اتفاقية السلام الشامل 2005، كان من المفترض إجراء انتخابات في السودان عام 2010 قبل استفتاء الجنوب، ينتخب فيها مواطنو جنوب كردفان مجلسًا تشريعيًا لإجراء عملية المشورة الشعبية، التي تهدف إلى تصحيح العلاقة بين المركز والولاية في ظل الوضع التاريخي المأزوم. ترتبط نتائج المشورة الشعبية بالأغلبية الميكانيكية لأعضاء المجلس التشريعي الولائي، وكانت غرب كردفان تمتلك 10 دوائر جغرافية من أصل 32 دائرة في جنوب كردفان. دمجها يعني ضمان 10 مقاعد داعمة لقوائم المؤتمر الوطني في المجلس التشريعي، مما يساعد في إجهاض المشورة الشعبية.
بعد تجدد القتال في جبال النوبة/جنوب كردفان عام 2011، بدأ المؤتمر الوطني في إعادة خططه القديمة بشأن وضعية غرب كردفان السياسية والإدارية. بدأت التلميحات بعودة الولاية، وتوالت تصريحات كبار قيادات الحكومة ونداءات منسوبي المؤتمر الوطني من أبناء غرب كردفان، حتى صدر مرسوم بعودتها وفصلها عن جنوب كردفان في 2013، بعد الخسائر الفادحة التي مُنيت بها حكومة الخرطوم في حربها ضد شعب جبال النوبة/جنوب كردفان، وعزوف مواطني غرب كردفان عن المشاركة في الحرب.
فيما يتعلق بالدوافع الحقيقية لحكومة الخرطوم من عودة الولاية، أصدرت الحركة الشعبية في ولاية جنوب كردفان/جبال النوبة تعميمًا صحفيًا بتاريخ 27/12/2012، حددت فيه الدوافع الحقيقية لعودة ولاية غرب كردفان في هذا التوقيت، وهي:
استمالة المسيرية إلى جانب الحكومة كخطوة أولى لإدخالهم في الحرب الدائرة في جنوب كردفان/جبال النوبة، بعد فشل مخططاتها في استنفار المليشيات لخوض الحرب بالوكالة.
خلق الفتن والصراعات بين الجماعات المحلية بسبب مشاكل الحدود، خاصة مع جبال النوبة، ليستمر المؤتمر الوطني في إثارة المزيد من الحروب.
إعادة تدوير سياسة “فرّق تسد” بعد أن تبين معارضة سكان غرب كردفان لسياساته.
إيجاد حلول تكتيكية لأزمته في المنطقة من خلال خلق وظائف دستورية شكلية لتسكين أتباعه المنتفعين، وتقديم رشاوى سياسية لشراء ذمم بعض المعارضين.
عزل المنطقة الغربية، وخاصة البترول، عن أي تسوية سياسية مستقبلية، وإخراجها من المنطقتين المشار إليهما في اتفاقية السلام الشامل ومقترحات التفاوض الجارية، مما يحرم مواطني غرب كردفان من مكاسب التفاوض، خاصة فيما يتعلق بالبترول.
يرى العديد من النشطاء والمهتمين بالشأن السياسي في المنطقة أن المؤتمر الوطني عمل على إعادة إنشاء الولاية لأنه بعد اتفاقية السلام الشامل، شهدت المنطقة حراكًا تنويريًا كبيرًا ساهم في رفع وعي المجتمع المحلي بالظلم والتهميش، مما دفعهم إلى تأييد الحركة الشعبية سياسيًا وعسكريًا. تم تنظيم قوة عسكرية تضم 2500 من الضباط وصف الضباط والجنود، اتخذت منطقة الدبب في الاتجاه الجنوبي مقرًا لها، وانضمت لاحقًا إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان، مما أقلق النظام وأربك حساباته. بعبارة أخرى، أصبح للحركة الشعبية قواعد في المنطقة، مما يعوق أنشطة الحرب التي يشنها النظام عليها. حسب اعتقادهم، فإن عودة غرب كردفان قد توقف تمدد الحركة الشعبية/شمال، خاصة أن العديد من أبناء المسيرية انضموا إلى الجيش الشعبي/شمال بعد تجدد النزاع المسلح في 6/6/2011 بجبال النوبة/جنوب كردفان.
الجدير بالذكر أن مجلس الأمن الدولي أصدر القرار رقم 2046 في عام 2011 بعد تجدد النزاع المسلح مباشرة، ألزم فيه الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الخرطوم بالجلوس لحل النزاع في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بحدودها القديمة التي كانت تشمل غرب كردفان. وبالتالي، فإن حكومة الخرطوم والحركة الشعبية/شمال ملزمتان بحل النزاع في جنوب كردفان بكامل حدودها الجغرافية.
إن غياب الحراك الثوري في المنطقة سيمكّن نظام الخرطوم من تسويف قضايا شعب المنطقة، خاصة أن النظام لديه تاريخ طويل في التلاعب بإرادة الشعوب السودانية المهمشة. لذا، أناشد جميع شعوب غرب كردفان بمختلف مكوناتها الثقافية بمقاومة النظام بكافة الوسائل، فمعلوم أن الحقوق تُنتزع ولا تُعطى على طبق من ذهب كما يعتقد البعض.