كتب

سلطنة دارفور: تاريخها وبعض مظاهر حضارتها تأليف: مصطفي محمد مسعد

أ. عطا برشم

مقدمة:

يقع الكتاب في قسمين يتناول القسم الأول: تاريخ سلطنة دارفور وكيفية نشؤ السلطنة؛ وإحتلالها مكانه بارزة بين ممالك السودان انذاك، إضافة الي إمتداداتها الجغرافية، وطبيعة توزيع السكان داخلها، إضافة الي خصائصها الطبيعية التي أسهمت في تحديد المهن الرئيسية، وأبرز التضاريس؛ وما هي اشهر الطرق التي تربط الإقليم بالممالك المختلفة، وابرز الهجرات التي إستوطنت السلطنة، وأهم الرحالة والكُتاب الذين زارو الإقليم؛ ووثقوا لما شُوهد من حضارة ومعالم، كما عكسو الصلات الإجتماعية، وطرق الحكم؛ وأهم السلاطين.

بينما خصص المؤلف القسم الثاني: لنظام الحكم وتقسيم السلطات وشكل السلطنة، وماهي مصادر الإيرادات ، وكيفية تناقل السلطة بين الملوك أو السلاطين وما الطريقة التي ينظر بها السكان للسلطان، وكيفية بروز العاصمة الإدراية والقصر الرئاسي، والتقسيم الأداري للإقليم.

القسم الأول:

فقد برزت في القرن التاسع عشر ما يعرف بسلطنة دارفور، ولم تلبث طويلاً حتي إحتلت مكانة بارزة بين الممالك المختلفة في المنطقة، كمملكة كردفان؛ وسنار؛ ووداي وكانم. تحِد سلطنة دارفور كما اورد الكاتب، الصحراء الليبية من الشمال، وسلسلة التلال الرملية أو ما يعرف بالقيزان من الشرق لتفصلها عن كردفان، ومن الناحية الجنوبية بحر العرب، وليس لها إلا الامتداد الوحيد غرباً الذي لم يتأثر بالعوامل الطبيعية؛ بل خضع للتقاطعات الأثنية والسياسية.

التضاريس في الإقليم يصنفها المؤلف الي ثلاث مناطق عرضية:

_ ففي الشمال البراري والسهوب تتخللها التلال وبعض الأودية ذات الاشجار والاعشاب واغلب اهلها من البدو وأشباه البدو وقوام حياتهم الإبل.

_ اما الوسط فهو مناطق الجبال والمرتفعات الذي يتصف بشي من غزارة الامطار مقارنة مع الشمال، ويعتمد سكانه بشكل رئيسي علي الزراعة، ويضم سلسلة جبال مرة كأبرز ظاهرة طبيعية في الإقليم.

_وتقع في الجنوب السهول الرعوية كثيرة الامطار وقوام حياة السكان تربية الماشية.

ويغذي الصلات الخارجية للسلطنة كما ورد في الكتاب طريقان حيويان: درب الاربعين من اسيوط؛ والطريق الطرابلسي الليبي، كوسيلتين للإتصال الحضاري والتجاري عبر الأجيال المختلفة، والطريقان ضعّف دورهما بدخول خطوط السكة حديد فيما بعد، اما السكان فتتعدد وتختلف سلالاتهم وثقافاتهم، مما جعل الإقليم معقد جنسياً؛ وثقافياً، رغم غلبة الثقافة العربية والاسلامية إلا أن هنالك حوالي ثمانية عشر مجموعة ثقافية تتحدث إثنتا عشر لغة مختلفة. وشهدت المنطقة عدد من الهجرات إمتزجت ثقافتها بالعادات والتقاليد المحلية، وتشكل السلطنة مجموعتان رئيستان: المجموعة العربية التي تقطن السهول والمجموعة غير العربية التي تتمركز في الوسط.

اما التاريخ فيمكن الرجوع إليه في مصدران أساسيان: الروايات الشفاهية التي ظلت تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل، إضافة لما دونة الرحالة الذين زارو السلطنة في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديان، رغم أن حركة الرحالة كانت مقيدة من قبل السلاطين بسبب عدم ثقة السلاطين في النوايا الاوربية؛ علي عكس الرحالة العرب الذين توفرت لهم فرصة أوسع للحركة والتدوين، هذا وقد حاول الباحثيين الحديثين، معرفة تاريخ دارفور إلا أن مجهوداتهم لم تأتي بنتائج ذات بال حسب المؤلف.

وإعتماداً علي تتبع بعض المظاهر اللغوية والثقافية، يرئ الكاتب أن هنالك علاقات نشأت بين السلطنة وممالك كردفان وكوش، وفي حوالي القرن الثالث عشر بدأ الأسلام يشق طريقة الي السلطنة؛ نتيجة للهجرات العربية، إلي أن اصبح الدين الرسمي للبلاد في عهد السلطان سليمان سولونج.

سلاطين دارفور:

 السلطان سليمان سولونج: تعود تسمية سولونج الي الاصول العربية للسلطان سليمان، فهذا الإسم حسب لغة الفور يشير الي ذو الاصول العربية أو من يتحدثون اللغة العربية أو يدينون بالإسلام، ولا يستبعد البعض إنتماء سلالة السلطان سليمان الي الجذور العربية، وتولي السلطان سليمان السلطة بعد إقصاء شقيقة توتسام الذي تذكره الروايات بإستبعادة الي كردفان وتأسيسه ما عُرف بسلطنة المسبعات، وبعد حروب عديدة أستقر الأمر لسليمان الذي إستانف الدعوة للإسلام التي ركضت أثناء الحروب، ثم خلفه السلطان موسي الذي لم تشهد حقبته الكثير لذكره فهو كان ميالاً للسلم، اما السلطان احمد ابكر الذي حكم زهاء الاربعين عاماً فقد أشتهر بالحزم كما عمل أيضاً علي نشر الإسلام والإعتناء بالمساجد والمدارس، كما استقدم عدد من المشايخ من البلاد الإسلامية، تولي الحكم بعدة إبنه محمد دورا الذي ورثه عمر ليل، ليترك الحكم لابنه ابوالقاسم الذي دخل في صراع مع مملكة وداي؛ وأداء ذلك الي إختفائه في بعض المعارك وتنصيب أخية محمد تيراب، وفي عام 1787م تولي الحكم عبد الرحمن الرشيد الذي غلب علي عصرة إزدهار التجارة وتشجيعه لها، وبعد وفاتة حكم السلطان محمد فضل الذي أشتهر بالمغالاة في معظم مناحي حياته، إضافة لإنغماسه في اللهو ومعاداة الناس، ثم جاء محمد حسين وابراهيم كاخر سلاطين دارفور قبل الخضوع للحكم المصري.

القسم الثاني:

 وقد خصصه الكاتب لنظام الحكم، جري حكم دارفور ملكياً مطلقاً، فالسلطان هو رأس الدولة وهو يصل الحكم عن طريق الوراثة، يقع إختيارة من مجلس خاص، وهو مطاع طاعة عمياء وينظر له السكان كقداسة، ويرتدي السلاطين عادة قطعتان من القماش المجلوب من مصر ويلثمون افواههم وانوفهم بالقماش الذي يضعون بعضة علي رؤسهم كما اورد المؤلف، هذا فيما يخص ازيائهم. ينعقد مجلس السلطان في ميدان واسع يطلق علية “فاشر” ومن هنا جاءت تسمية العاصمة التي تنقلت في عدة أماكن لإسباب سياسية او أمنية؛ قبل أن تستقر في الموقع الحالي للفاشر في عهد السلطان عبدالرحمن الرشيد.

أما القصر الرئاسي للسلطان فيحتوي عي ديوان السلطان والخزائن، ومساكن النساء والجواري، والحرس الخاص بالسلطان، ومساكن من يسوسون الأحصنه، ومخازن النحاس، كما للسلطان الحق في إتخاذ عدد لا محدود من النساء أربعة منهن شرعيات والأُخر محظيات، ولجميع الأبناء الذين يلقبون بالامراء والأميرات او الميارم مسئول واحد من بينهم.

ووفقاً للكاتب تتألف الحكومة من مجلس الأمناء وهم أربعة: يرأسهم الوزير الأعظم آي رئيس الوزراء، وقاضي  قضاة مجلس السلطان، وتتوزع مهام الأمناء بين الشئون العسكرية، وخزانة المال، وشئون الخيل والدواب السلطانية، والأسلحة. ويقع علي عاتق مجلس الأمناء إختيار السلطان الجديد بمشورة وجهاء القوم.

ويبدو ان منصب الوزير الاعظم أو الأب الشيخ هو الأهم فهو من يقود الجيوش ويتولي حكم الولاية الشرقية، إضافة الي أنه المرجع الأعلي لتفسير القانون المعروف بإسم قانون “دالي” .

ويوجد ايضاً بالسلطنة منصب الكامنة وهو من المناصب المركزية، إضافة الي منصب الحاجب وهو الحاكم العام للعاصمة ومسئول حفظ الأمن فيها.

كما يحوي الهيكل الإداري ما عرف بالسومندقلة، وهو مسئول عن شئون حريم السلطان وتربية الأبناء كما للسلطان فرق الحراسة الخاصة من حاملي الحراب، وتتشكل منهم الفرق الموسيقية، ويوجد أيضاً رئيس العبيد الذي يتولي شئون العبيد وأغراض سفر السلطان من المواشي والالآت، ويلي ملك العبيد ملك المكاسين الذي يتبعة جباة الضرائب.

اما الناحية الإدارية فيقسم الإقليم الي أربعة ولايات: يطلق علي الواحدة منها لقب دارفور، ويتولها حاكم يتم تعيينة من قبل السلطان، ولكل منهم لقبة الخاص الذي يدل علي علاقته بالسلطان، فيما يذكر الكتاب أنه وبحلول القرن الثامن عشر تحولت الولايات الي مقدوميات، ينُصب علي كل منها مقدوم، وفي عهد السلطان محمد فضل تم إلغاء منصب الأب شيخ بعد نزاع مع محمد كرا، الذي كان يتولي المنصب، بينما ظل منصب الولاة قائم.

وتقسم كل مقدومية الي اثنتا عشر شرتاية؛ علي رأس كل منها شرتاي، وقُسمت الشراتي الي دملجيات؛ يليها الدملج وهو رأس القبيلة.

وفيما يخص الأراضي فهي ملك للسلطان وله الحق في توزيعها كيفما شاء، وجري تقسيمها الي حواكير يتم إقطاعها الي رجال الدولة والفقهاء بمقتضي حجج وأختام؛ يقومون بزراعتها، كما إن للبادية نظامها الخاص فلكل قبيلة من الرحل أمير من بينهم يتبع الوالي أو المقدوم.

وكانت إيرادات السلطنة تعتمد علي الزراعة، التي يُوخذ منها عُشر الحبوب من المزارعين، وذكاة الماشية من الرحل والرعاة، ويأخذ ايضاً عُشر الصادرات والواردات، إضافة الي نصيب من الأسلحة التي ينتجها الحدادين، والهدايا التي يجلبها الزوار.

اما النظام القضائي فقد كان يسير وفقاً للشريعة الإسلامية مع إستثناء غير المسلمين الذين يحكمهم قانون “دالي” نسبة الي السلطان دالي، الذي كتبه وسجله ويتولي تطبيقة الشراتي والولاة، اما القوانين الإسلامية فيطبقها قضاة يتبعون الي قاضي القضاة بالعاصمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى