
تعليق على كتاب “المواطنة المؤقتة في السودان: ملكية الأرض كآلية إستغلال وإضطهاد”
للمؤلف ا. عثمان نواي هبيلا، بقلم: محمد علي (مهلة)
مقدمة:
إن سياسات الأرض في السودان وأغراض إستخداماتها وتطور قوانينها وأشكال تسويات ملكياتها من أمهات القضايا فى السودان؛ لذلك سيكون تعليقي على كتاب الأستاذ عثمان نواي، مع تلخيص النقاط التي وردت في مبادئ ورؤي حول سياسات الأرض في البرنامج الإسعافي للحرية والتغيير، دفعا للتحاور حول وضع الأسس الصحيحة لمعالجة قضايا الأرض و لبناء الدولة السودانية.
أورد الأستاذ نواي تحليلاته ورؤاه وإقتباساته تحت العناوين التالية:
قوانين ملكية الأرض.
ـ أزمة الكنابي؛ معضلات إمتلاك الأرض وحقوق المواطنة.
ـ الجذور التاريخية والأبعاد الثقافية والاجتماعية لأزمة الكنابي.
ـ أزمة سكان الهامش داخل الوسط والمركز.
ـ التقسيم الطبقي وتراكم الثروة علي أسس أثنية.
ـ المواطنة المؤقتة، لماذا وكيف؟
ـ الأزمة وآفاق الحلول – المراجع.
في جزئية قوانين ملكية الأرض، أورد نواي؛ أنها واحدة من وقود النزاعات في السودان، وأيضا تعلُق ملكية الأرض بحقوق الإنتماء والارتباط الثقافي والتاريخي بالمكان، إلي جانب الاقتصاد وعلاقات الإنتاج وواقع الهيمنة علي السلطة من واقع إمتلاك الأرض، وعلاقة السلطة الاستعمارية البريطانية وسياساتها الإدارية التي نشأت معها طبقة مُلاك الأراضي والمجموعات الاجتماعية والقيادات التقليدية والطائفية التي حازت علي الأراضي. ثم تناول قوانين الأراضي ١٨٨٩م ومن ثم ١٩٢٥م والسياسات التي منحت القيادات التقليدية والدينية في مختلف المستويات سلطات قضائية ومالية وإدارية، وبكيفيات إستغلال وإستخدام الأراضي. وأقتبس ما أورده نواي كخلاصات للباحث خالد الأمين ٢٠١٦م ” هذه التشريعات المنظمة للأرض نتج عنها نوعان من ملكية الأراضي في السودان”:
الأول؛ هو الملكيةالمشتركة للأرض أو المشاعية للأرض في المجتمعات القبلية المختلفة.
والثاني؛ هو الملكية الخاصة المسجلة.
ويقول في ذلك؛ أن الأرضي تحت الملكية الخاصة أي التي لديها حدود واضحة ومسجلة بشكل منظم بدون أي نزاعات هي غالبا الأراضي حول النيل وأفرعه أي حول نهر النيل الرئيسي والنيل الأبيض والأزرق. أما الأراضي ذات الملكية الجماعية المشتركة فهي غالبا الأراضي البعيدة من النيل حيث أن ملكيتها يحفها الغموض وأصبحت دوما مسرحا للنزاعات والصراعات. وهذا الإنقسام بين نوعي ملكيات الأراضي لا يختلف عن خارطة الإنقسامات السياسية والاقتصادية بين مركز وأطراف السودان؛ حيث تم تسجيل الأراضي في المناطق المركزية والوسطي نتيجة لتركيز التنمية، وبالتالي تزايد السكان ولكن أيضا نتيجة للوعي والتعليم والقرب من مركز إتخاذ القرار.
أما الأماكن البعيدة من النيل، فإضافة الي التقاليد المختلفة للملكية الجماعية كما في دارفور، فان التهميش التنموي والسياسي وقلة التعليم وأزمة المناطق المقفولة؛ في حالة جبال النوبة مثلا حالت دون تسجيل الأراضي هناك، مما جعلها عرضة لأن تكون مسرحا للنزاعات علي ملكية الأرض وأسس إستغلالها.
كما تناول الأستاذ نواي جزئية الأراضي والمشاريع الزراعية التي ملكها الانجليز لقيادات أهلية وطائفية؛ وعلاقة ذلك بالأحزاب التي سيطرت علي المسرح السياسي بعد خروج الإنجليز. وذكر أيضا عملية توزيع مشاريع الطلمبات والزراعة الآلية في عهد الحكم الوطني بعد خروج الانجليز ودورها في عملية الهيمنة والتبعية وكسب التأييد السياسي في مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق. وفي ذلك يورد خلاصات وأرقام للباحث د.تيسير محمد احمد من كتابة زراعة الجوع في السودان ١٩٩٤م، فيقول تيسير ” إن أقوي مؤشر يعتمد علي الهيمنة الطبقية والأثنية التي تعتمد علي ملكية الأرض والمشاريع الزراعية كان حقيقة أن ٧٦ نائبا في البرلمان السوداني الأول لشمال السودان هم ملاك أراضي ومشاريع زراعية تُشكل مصدر دخل رئيسي لـ٢٥ منهم علي الأقل”.
ويشير نواي إلي أن المداخيل التي تنتج من إستغلال الأراضي الزراعية كانت تتحول إلي ملكيات عقارية في الخرطوم. حيث أن ٥١% من اجمالي الإستثمارات للقطاع الخاص في الفترة من ١٩٥٦م إلي ١٩٦١م كان يذهب إلي بناء المنازل الأوربية الطابع الفخمة في الخرطوم، والتي كانت تدر دخلا كبيرا عن طريق إستئجارها من قبل الشركات والسفارات التي فُتحت بعد الإستقلال، ولم يتم توجيه أي نصيب من هذا الدخل إلي مشاريع تنمية إنتاجية، ولو في الزراعة نفسها، بل كانت تستثمر في هذا الاقتصاد الريعي لملكية الأرض، حيث أصبحت هناك دائرة مغلقة من الإمتيازات وتراكم الفائض الإنتاجي في يد القلة المتحكمة في البلاد.
ثم تناول نواي قانون ١٩٧٠م ودوره في نزاعات الأراضي غير المسجلة خاصة في مناطق دارفور وجنوب كردفان، القانون حرم المجموعات السكانية من الإستفادة من ملكيتها لأراضيها. وتطرق ايضا لقوانين ١٩٨٤م قانون نقل الملكية. وقوانين ١٩٩١م و ١٩٩٣م والتي زادت الأمر سوء علي سوء؛ عبر منع المحاكم من النظر في أي قضية نزاع ضد الحكومة في ما يتعلق بالأراضي غير المسجلة.
تناول الأستاذ نواي؛ أزمة الكنابي ..معضلات امتلاك الأرض وحقوق المواطنة. وأورد فيها تحليلات لنشأة مشروع الجزيرة والغرض منه وما أحدثه من تغيير لنمط الحياة في المنطقة، وللسياسية التي انتهجتها الإدارة الاستعمارية البريطانية في عملية تسوية ملكية الأرض للمجتمعات المحلية والإعتراف بملكيتهم للأرض، ومن ثم تأجيرها منهم بتحديد سعر للفدان، وإعادة توزيعها لهم ملكيات منفعة في شكل حواشات. فتشكلت فئة المزارعين، والذين لم يستطيعوا الإيفاء بكل العمليات الزراعية بالمشروع؛ فكانت الحوجة لتشجيع واستقدام عمالة زراعية بالمشروع.
يقول نواي “إن سكان الكنابي هم بالأصل العمال الزراعيين القادمين من غرب السودان؛ وخاصة دارفور وكردفان وامتداد السودان القديم غربا في الدول المجاورة، التي كان سكانها يقومون بهجرات مستمرة إلى السودان عبر القرون، وأصبحوا مكوِّناً رئيسياً من الشعوب السودانية عبر التاريخ”.
ويورد نواي توثيق للباحث بيتر ماكلوجين لحيثيات الجلسة السابعة للمجلس الإستشاري لشمال السودان بتاريخ ٢٥ مايو ١٩٤٧م؛ حيث قام السيد ماكنتوش المسؤول الإداري عن العمل بتقديم تقرير حول نقص العمال الزراعيين، وعن الدور الهام الذي يلعبه العمال من غرب السودان. ولاحظ ماكنتوش إن أحد أكثر القادة مناهضة للعمال الزراعيين هو مكي عباس رئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة؛ علي الرغم من درايته بصمود العمال الزراعيين واستمرارهم فى العمل فى سنوات الكساد العالمي عندما هجرت كثير من فئة المزارعون الزراعة، وبدأت الإدارة في مواصلة إستصلاح الأراضي وتوزيع جزء منها لمجتمعات العمال الزراعيين كملكية منغعة.
ففي الأعوام من ١٩٣١م الي ١٩٤٣م، تم تمليك حواشات لما يقارب “٣٠٠٠” من العمال الزراعيين (صديق عبدالهادي ٢٠١٨م). ولكن؟ إدارة عباس مكي قطعت عملية حق تطور وتَملُك هذه المجتمعات بإصداره قرار إداري في العام ١٩٤٥م يمنع توظيفهم بوظيفة بها راتب، وأيضا يمنع توريث أبنائهم لملكية حواشات ابائهم؛ وهذا أبلغ وصف لعنوان الكتاب ” المواطنة المؤقتة ” السيف المسلط علي رقاب ابناء مجتمعات العمال الزراعيين أجيال وأجيال .
فيقول نواي في ذلك: ” إن التراتبية الاجتماعية والسياسية في السودان لا ترتبط بالمواطنة أو الكفاءة أو القدرة علي العمل والإنتاج؛ بل ترتبط بشكل مباشر بالخلفية الأثنية والإنتماء الجغرافي “. يتناول الأستاذ نواي أيضا، أزمة سكان مساكن الكرتون والعشوائيات في أطراف الخرطوم والمدن الكبيرة ويوصلها بأزمة السكن للكنابي. ويورد نواي إحصاءات وأرقام عن تركيز الخدمات في الخرطوم ” المدينة الدولة” والتقرير الخاص لجامعة ماساتشوستس للتنكنولوجيا حول العشوائيات في الخرطوم صدر في العام ٢٠٠٣م؛ فالتقرير يتناول توسع الخرطوم عبر تكسير وترحيل سكان الأحياء الفقيرة والعشوائيات. ويخلُص نواي إ أن توزيع السكن والأراضي بالخرطوم لايخرج من نمط الدولة في توزيع الثروة والسلطة علي أسس أثنية . ثم يورد تقرير منظمة افريكان رايتس حول أوضاع النازحين في الخرطوم عام ١٩٩٥م والذي سُمّي (المواطنون غير المرئين invisible citizens)تناول عمليات الترهيب والتهديد لسكان العشوائيات الذين عانوا من هذه السياسة معاناة كبيرة. وأن عملية التخطيط للقطعة السكنية لا تتجاوز ٢٠٠م، مهما كان حجم الأسرة مع غياب التخطيط لسياسات إسكان تراعي لطبيعة وشكل المباني و للنشاط الإقتصادي للسكان بالمدن بشكل عام والعشوائيات علي وجه الخصوص.
ايضا استعرض الأستاذ نواي الوضع في جبال النوبة وفقا للتالي:
التقسيم الطبقي وتراكم الثروة علي أسس أثنية نموذج جبال النوبة. تناول فيه سياسات الإفقار الممنهج لأهل جبال النوبة وعملية إستغلال أرضهم كمورد لتراكم الثروات لتجار من مجموعات أخري قادمة من خارج جبال النوبة، وتحول صغار المزارعين من النوبة إلي عمال زراعيين في أرضهم التاريخية. يقول عطا البطحاني ” أن النتيجة الهامة المستمدة من هذه الأحداث هي الطريقة التي أنحازت بها الدولة ما بعد الإستعمارية ضد الفلاحين النوبة، ولصالح التجار والبيروقراطيين الذين ينحدر أغلبهم من الشمال.
وفي يوليو ١٩٦١م وزعت الحكومة ٢٤ مشروعا جنوب شرق هبيلة، ومن بين أصحابها ال٢٤ كان ١٨ منهم من التجار، عاش وعمل ثمانية منهم في الإقليم وجاء العشرة الباقيين من خارج الإقليم وعمل أحدهم محاميا. “ولم يكن يدخل الي خزينة الدولة أي مبالغ لكي تعاد في شكل خدمات لأهل المنطقة، حيث كان يطلب منهم فقط دفع ١٠٠ جنيه رسم تنمية، بينما يتم منح كل رأسمالي مساحة تبلغ ١٥٠٠ فدان ،بقيمة إيجار ٥ قروش فقط للفدان”.
وتناول نواي أزمة انعدام التمويل من الدولة لصغار المزارعين بجبال النوبة، وتركهم للمُقرِضين من التجار وأصحاب رأس المال والأسر الطائفية بنظام – الشّيَل- ليصل الأمر إلي شراء المحاصيل قبل زراعتها ويتحكم المُمّول في الثمن الذي دوما دون سعر السوق. وأيضا للبيروقراطية التي عملت كوكلاء تمويل للبنوك الكبري مثل باركليز وغيرها. وإستعرض نواي دفع النوبة لضريبة الدقنية حتي بعد خروج المستعمر في الستينات وفي الخرطوم حيث ظلت السلطات تعاملهم كمواطنيين مؤقتين في الخرطوم.
تناول الأستاذ نواي أزمة ملكية الأرض، والمواطنة المؤقتة، وآفاق الحلول. ويذكر ” ان آفاق الحلول لأزمة ملكية الأرض لا تنفصل أبدا عن حلول مسألة المواطنة غير المتساوية في السودان. لذلك الحل يبدأ بالمواجهة وعدم دفن الرؤوس في الرمال، ووضع الأشياء في موازينها الحقيقية، وعدم التنازل عن حق التعبير الواضح والعودة إلي التاريخ وربطه بالحاضر، حيث تكتمل الصورة..كما أن أزمة المواطنة المؤقتة علي مستوي الدولة السودانية وإرتباطها بالدولة المركزية العنصرية، ويجب التعامل معها كإحدي محركات وشروط التغيير الهيكلي الجذري للدولة السودانية. حيث أن الإعتراف بتاريخ الرق هو جزء رئيسي من مكافحة أمراض العنصرية في الدولة والمجتمع. ” ويستمر نواي في القول ” أن الضرورة العاجلة الآن هي لأن يكون هناك عمل جاد ليس فقط لتغيير القوانين المتعلقة بملكية الأرض، ولكن للإعتراف بحقوق المجموعات المضطهدة والمستغلة تاريخيا.
بقي أن نشير إلي أن نواي كتب كتابه هذا في يوليو ٢٠١٨م، وجاء بعدها حراك ثورة ديسمبر العظيم الذي عزز من فرص معالجة قضايا تأسيس الدولة السودانية بأسس عادلة ومعالجة المظالم التاريخية ومنها قضايا ملكية الأرض وتسوية ملكيلتها. لذلك وجدت أنه من المفيد تناول ما ورد من مبادئ و رؤي من البرنامج الإسعافي والسياسات البديلة ( الإطار العام) لقوي الحرية والتغيير – أكتوبر ٢٠١٩م تحت عنوان : حقوق وملكية وحيازة وإستخدامات الأرض في السودان . فيه مقترحات لسياسات وقوانيين جديدة تعالج المسألة. لذلك سأواصل في تعليقي علي الكتاب وما ورد بالبرنامج الاسعافي، للتحاور مع نواي وكل المهتمين بمعالجة قضايا الأرض في السودان؛ خصوصا الجيل الديسمبري الجديد الذي واجه صلف النظام البائد لكنه ورث الأزمات التاريخية بالدولة السودانية. إن مشروع البرنامج الإسعافي والسياسات البديلة ( الإطار العام) لقوي إعلان الحرية والتغيير – أكتوبر ٢٠١٩م، تحت عنوان – حقوق ملكية وحيازة وإستخدامات الأراضي في السودان ( ص١٣ – ١٧) حيث أحتوي علي:
أولا : خلفية او مقدمة.
ثانيا : جدول يوضح الوضع الراهن والسياسات المقترحة.
ثالثا : جدول للقوانين والتشريعات للوضع الراهن والبديل المقترح.
رابعا : جدول يوضح مؤسسات وآليات المتابعة والتنفيذ في الوضع الراهن وللبديل المقترح.
خامسا: خاتمة تلخص و جهة السياسات والتشريعات والقوانين والآليات لمعالجة موضوع حقوق ملكية وحيازة وإستخدامات الأراضي بالسودان.
في المقدمة تناول البرنامج حزمة السياسات والتشريعات في عهد المستعمر الإنجليزي فوضح أن قوانين (الأراضي ١٩٠٥م و تسوية وتسجيل الأراضي ١٩٢٥م) لم تكن منحازة للقطاع الحديث علي حساب القطاع الريفي وقامت علي ثلاث سياسات رئيسة وهي:
1ـ الإعتراف قانونا بحقوق الأراضي الجماعية للمجتمعات المحلية وإعتمادها كأساس للتقاضي أمام محاكم الدولة وتسويات الأراضي بواسطة الدولة.
2ـ إعطاء الأفضلية لحقوق وأولويات المجتمعات المحلية علي ما عداها عند إقدام الحكومة علي تسوية ما.
3ـ إعتماد بالقانون مبدأ التعويض النقدي أو العيني أو الأثنين معاً بواسطة الحكومة عند الحاجة إلي تسوية الأراضي للمصلحة العامة.
ويذكر البرنامج أن الحكومات السودانية الديكتاتورية تراجعت عن هذه السياسات الثلاث وأصدرت قانون الأراضي غير المسجلة ١٩٧٠م وقانون المعاملات المدنية ١٩٨٤م تعديل ١٩٩٥م. وهي تشريعات سُنت في عهد مايو للنميري وعُدلت في عهد الإنقاذ البائد.
وتستمر تحليلات البرنامج الإسعافي وتقول: يعتبر قانون ١٩٧٠م ردة قانونية ذات أبعاد سلبية إجتماعياً واقتصادياً وسياسياً كما ان قانون ١٩٨٤م صدر متأثرا بقوانين سبتمبر ١٩٨٣م سيئة الصيت.
وإن إصدار قانون الإستثمار لعام ١٩٩٩م الذي أباح للدول والشركات الأجنبية استباحة أراضي السودان ومواردها الزراعية والحيوانية والتعدينية وغيرها.كما تم تناول موضوع حقوق وملكية وإستخدامات الأراضي ضمن محور السلطة في إتفاقية السلام الشامل ٢٠٠٥م عبر إنشاء مفوضية الأراضي وقانون إطاري لمفوضيات في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في شكل حزمة ومؤشرات ومبادئ عامة في مجال الأراضي ( سياسات ومؤسسات) وبعدها تم تضمين ذلك في دستور السودان الإنتقالي ٢٠٠٥م، حيث يتضمن الفصل الثاني المادة ١٨٦ عنواناً رئيسيا موارد الأرض وعنوانا جانبيا: تنظيم الأراضي، وأحتوي علي السياسات التالية:
ــــ أن تكون حيازة الأرض واستغلال وممارسة الحقوق عليها صلاحية مشتركة تمارس علي مستوي الحكم المعني
ــــ أن يتولي ممارسة الحقوق علي الأراضي التي تملكها حكومة السودان مستوي الحكم المعني أو المكلف بذلك.
ــــ علي كل مستويات الحكم بدء عملية تدريجية لتطوير وتعديل القوانين ذات الصلة بالأرض لتتضمن الممارسات والقوانين العرفية والتراث المحلي والتوجهات والممارسات الدولية.
ـــ وضع خطة عمل لمراجعة القوانين الرسمية والعرفية بما يضمن وصول النساء وتحكمهن في الأرض كمورد إقتصادي أساسي.
ولكن بعد انفصال الجنوب قامت حكومة الإنقاذ بإجراء تعديلات علي ممارسة مستوي الحكم المعني في عملية إستغلال الأراضي، ومنحت رئيس الجمهوربة سلطة إصدار مراسيم جمهورية لتحديد الأراضي التي تستغل للإستثمار والتصرف في العائد من الإستثمارات ونتيجة لهذه التعديلات تم إستباحة أراضي السودان.
وأورد مخلص لتقارير لسوء إستغلال الأراضي والموارد التي خصصها نظام الإنقاذ لبعض الدول كالتالي:
ـــ تخصيص ٢٠٠ ألف فدان لدولة البحرين بالولاية الشمالية، مارس ٢٠١٤م.
ـــ منح ٢ مليون فدان لمستثمرين سعوديين.
ــــ تسليم ٢ مليون فدان من أراضي الفشقة الكبري للأثيوبين.
ـــ إيجار ٤٠٠ ألف فدان من أراضي الجزيرة لشركة كورية بسعر دولار للفدان لمدة ٣٣ عام دون إستشارة ملاك الأراضي وأهالي المنطقة.
ــــ تمليك دولة قطر حوالي ٢٣٠ ألف فدان من الأراضي الزراعية.
نجد أن السياسات البديلة التي إقترحها البرنامج الإسعافي كالأتي:
أولا : السياسات البديلة؛
أ – الإعتراف بالحقوق العرفية في ملكية وحيازة إستخدامات الأراضي.
ب – سياسة تشجيع وتطوير الملكية والحيازات التقليدية لتتواءم تدريجيا مع منظومة ملكية وحيازة واستخدامات الأراضي في صورة مدنية حديثة.
ج – دمج حقوق وأولويات التنمية الإقتصادية وسبل كسب العيش للمجتمعات القروية والمحلية والولائية في كل مشروعات التنمية والإستثمارات الزراعية والصناعية والبنيات التحتية التي تنشأ علي حساب تلك المجتمعات أو المحليات أو الولايات.
د – إعمال الشفافية والمحاسبة والحوكمة الراشدة والمسؤولية الإجتماعية في كل المعاملات التي تتم حول الأرض والموارد الطبيعية بحيث تكون المجتمعات المحلية والولائية شركاء مع الحكومة الإتحادية في تنفيذ المشروعات التنموية والإستثمارية في مراحلها المختلفة.
ه – تطبيق مبدأ وقواعد الفدرالية في حقوق وإستخدامات الأراضي خاصة الإستثمار الزراعي مع التحول من النموذج الحالي القائم على ثنائية الشراكة private – public partnership = ppp إلي شراكة ثلاثية.private – public – people = pppp في التنمية والإستثمار الزراعى
و – تقوية آليات دراسة وتنفيذ ومتابعة الأثر البيئي والإجتماعي قبل التصديق بإقامة أي مشروع ذي أثر بيئي أو إجتماعي.
ز- فصل مهام وضع ومتابعة تطبيق السياسات الكلية فيما يتعلق بملكية وحيازة وإستخدامات الأراضي عن الجهاز التنفيذي ( الوزارات والهيئات المستخدمة للأراضي ومواردها الطبيعية ).
ح – يمنع بالقانون أو يعدل حق إمتلاك أو إيجار الأراضي للدول والمستثمرين الأجانب لأغراض الإستثمار الزراعي والصناعي والتعديني وغيرها في ضوء موجهات السياسات البديلة.
ط – إقرار سياسة قومية مربوطة بخطة إستراتيجية طويلة المدي لمواصلة تسيوية وتسجيل الأراضي لتشمل كل أنحاء السودان، حتي يتم إدخال كل أراضي المجتمعات الريفية ضمن منظومة الإقتصاد الحديث.
ي – إدخال السياسات البديلة في حقوق ملكية وحيازة إستخدام الأراضي ضمن محفزات تحقيق العدالة الإنتقالية والسلام الإجتماعي والسياسي والتنمية المتوازنة جغرافيا وإجتماعيا في الفترة الإنتقالية خاصة في مناطق النزاعات في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
هذه المقترحات الواردة أعلاه هي نقيض للسياسات الراهنة التي خلقت الأزمة مثل:
ـــــ عدم إقرار الدولة بحقوق ملكيات المجتمعات الريفية.
ـــ إزدواجية سياسة ملكية وحيازة إستخدامات الأراضي.
ــــــ عدم أدماج أو تعويض الأفراد او المجتمعات المتأثرة بالمشروعات القومية التنموية والإستثمارية.
ــــ عدم وجود سياسة كلية وخطة إستراتيجية لمواصلة تسوية وتسجيل الأراضي كما كان الحال في فترة الإستعمار.
في تقديري أن السياسات البديلة الواردة في البرنامج الإسعافي للحرية والتغيير برنامج ضافي وشامل يستحق التحاور ليصبح وعي عام بحجم الأزمة وأفق مقترحات الحلول.
أما التشريعات والقوانين البديلة التي وردت بالبرنامج الإسعافي هي:
أ – إلغاء قانون الأراضي غير المسجلة لعام ١٩٧٠م وسن تشريع جديد علي ضوء السياسات البديلة.
ب – إلغاء قانون إستخدامات الأراضي الزراعية لعام ٢٠١٥م وإبتدار تشريع جديد علي ضوء السياسات البديلة.
ج- إلغاء أو مراجعة قانون تنمية الثروة المعدنية والتعدين لسنة ٢٠٠٧م وابتدار تشريع جديد علي ضوء السياسات البديلة.
د- إلغاء أو مراجعة جميع القوانين واللوائح في مجال الإستثمار الزراعي والصناعي وتخطيط واستخدامات الأراضي وسن قوانيين بديلة وفقا للسياسات البديلة.
ه- تضمين الإعتراف بالحقوق التقليدية لملكية وحيازة وإستخدامات الأراضي للمجتمعات والأفراد في قانون الأراضي القومية والقوانين ذات الصلة.
و – إبتدار تشريع تفصيلي يحدد ضوابط وإجراءات تعويض المتضررين أو المتأثرين بواسطة المشروعات التنموية والإستثمارية.
ز – إبتدار تشريعات جديدة توائم بين القوانين العرفية والقوانين المدنية الحديثة فيما يتعلق بحقوق ملكية وحيازات وإستخدامات الأراضي.
ح- مراجعة كل الإتفاقيات والعقودات الدولية والإقليمية والمحلية التي تمت بتخصيص ملايين الأفدنة من أراضي السودان الخصبة بيعاً أو إيجاراً وبأسعار زهيدة ولفترات طويلة لجهات أجنبية دولاً كانت أم شركات إستثمارية.
وفي مجالات المؤسسات وآليات المتابعة والتنفيذ البديلة يقترح البرنامج الإسعافي الآتي:
أ- تحديد المؤسسات وآليات التنفيذ ومراقبة تطبيق القوانين المرتبطة بملكية واستخدامات وحيازة الأراضي حسب التخصيص.
ب- مراجعة وإعادة هيكلة المؤسسات ذات الصلة المباشرة بحقوق ملكية استخدامات الأراضي لتكون مواكبة وقادرة علي تنفيذ السياسات البديلة بالكفاءة المطلوبة.
ج- بناء القدرات المؤسسية للمؤسسات القائمة والبديلة ذات الصلة بحقوق وملكية وحيازة إستخدامات الأراضي.
د – تطوير المؤسسات القائمة أو إنشاء مؤسسة قومية بديلة تتولي مسؤولية وإنتاج وتحديث خارطة استخدامات الأراضي ومواردها الطبيعية في كل أنحاء السودان. وأقتبس التالي من خاتمة موضوع ملكية وحيازة واستخدامات الأراضي بالبرنامج الإسعافي ” ..ان تحقيق السلام الإجتماعي والسياسي في مرحلة الإنتقال بيدأ بموضوع الأرض بفهمه الواسع؛ الأرض كرمز للسيادة الوطنية، والهوية القومية الجامعة، ومصدر الثروات القومية للدولة من ناحية؛ والأرض كقاعدة توفر سبل كسب العيش المتنوعة لغالبية سكان الريف السوداني ومصدر ثرواتهم الإقتصادية وهوياتهم المحلية، ومنها يستمدون أنظمة حكمهم المجتمعية المحلية.
أن الطريق نحو تحقيق غايات الثورة ( حرية – سلام – عدالة ) يمر ببوابة أولويات وقضايا الأرض كمصدر للسلطة والثروة والهوية علي المستوي الفردي والأسري والمجتمعي والاقليمي والقومي.
وبهذا ينتهي التعليق علي كتاب المواطنة المؤقتة؛ ملكية الأرض كآلية استغلال واضطهاد، وأيضا البرنامج الإسعافي لقوي الحرية والتغيير، في الجزئية المتلعقة بالسياسات والتشريعات والقوانين ومؤسسات وآليات التنفيذ البديلة لقضايا ملكية وتسوية وتسجيل واستخدامات الأراضي.
أبريل ٢٠٢١م