بحوث ودراسات

المدينة في جنوب السودان النشأة.. الملامح وسمات التطور(4-6)

أ. أتيم سايمون

 * ثالثا:مدينة ملكال:

تم تأسيس مدينة ملكال الحالية، بعد ان تم تحويل عاصمة المديرية من مدينة التوفيقية الواقعة جنوبي ملكال في العام 1916، والتي لاتزال بعض مبانيها قائمة حتى اليوم، وتشير الروايات أن نقل العاصمة إلى ملكال كان لتعرض مدينة توفيقية للفيضانات والسيول وهي منطقة هشة عرضة للكوارث ما جعل الحكومة تفكر في نقل العاصمة إلى المقر الحالي (أوو، 2021).

يقول بيتر أدوك نيابا في مذكراته: “وملكال هي تحوير قام به الأتراك لكلمة “ماكال” وهو اسم لإحدى قرى الشلك الواقعة شمالي موقع المطار الحالي، فقد كان مقر الاستعمارية بداية في ميناء التوفيقية الذي يبعد حوالي ثمانية كيلومترات جنوباً. وقد تم تحويلها بعد انتقال رئاسة مديرية أعالي النيل والتي كانت موطنا للرقيق الذين تم تحريرهم بعد هزيمة المهدية الذين اعتادوا على الحياة الحضرية، هذا إلى جانب كونها مركزاً ادارياً”(Nyaba,2021:45). وتشير عدة روايات إلى أنّ ملكال الحالية قامت في موضع قرية أنشأها المك(كوديت أوكون توغو) في القرن الثامن عشر وهي جزء من قرية ماكال التي جاء منه اسم المدينة الحالية.

ويرى رمضان أوو إنّ المنطقة الحالية والتي تُسمّى ملكال، كانت عبارة عن قرى متبعثرة يقطنها أفراد من الشلك، حتى حي المديرية لم يكن سوى حلة من حلال منطقة (وارجوك) واد باجوك التي كان يقطنها رجل يدعى أكول أدونق، تعود أصوله إلى مجموعة الفونج، وتأسست مدينة ملكال الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى على يد الإنجليز، وترجع أهميتها لقربها من الشمال حيث مقر الحاكم العام، إلى جانب كونها ميناء رئيسي يربط الشمال بالجنوب.

وكانت اولى المنشآت الرسمية التي تمّ بناؤها في مدينة ملكال هي المديرية التي تعتبر مقراً للإدارة ومحيط سكن الموظفين الإنجليز، وقد بدأ العمل فيها في العشرينيات واكتمل في الأربعينات، ومن المنشآت الخدمية الحكومية أيضاً مستشفى ملكال الذي بنى في الثلاثينيات وتوسع المستشفى بعد ذلك وكان في الأصل مباني لسكن الجيش البريطاني وتتبع لها مستشفى متحركة في باخرة تسمى (ليدى بيكر) كانت تتحرك بين ملكال وبور لعلاج المواطنين في تلك المناطق وبها عنابر للمرضى.

وبالنسبة لمنطقة سكن الأهالي فقد كانت تضم قرية الملكية التي أنشئت في العام 1916م في نفس التاريخ نقل العاصمة من التوفيقية، يقول بشرى محمد ادريس عن نشأة و تأسيس حي الملكية  انه “عندما ازداد عدد العمال بالري المصري، إضافةً إلى نهاية الخدمة العسكرية للعديد من منسوبي الإرط خاصة الأورطة 9  و 12، قررت الحكومة المصرية إيجاد مكانا ليكون مقرا لسكن أولئك العمال فوقع الإختيار علي حي الشاطئ ليصبح بعد الري المصري أول حي بالملكية وثاني أحياء ملكال، استمر عدد السكان بالملكية يزداد ويقوي ترابطهم ويظهر نشاطهم الإجتماعي الإيجابي الأمر الذي أثار حفيظة المستعمر الإنجليزي فلجأ الي تمزيق هذا النسيج السكاني إمعانا في سياسة(فرق تسد) فقسمت الملكية إلى عدة أحيآء صغيرة علي نسق جهوي وقبلي حي الدينكا/النوبة/الشلك/الزاندي” (إدريس، 2014م). كما أنشأت الحكومة منطقة جديدة أطلقت عليها اسم حي الجلابة غالبية سكأنّها من التجار الشماليين الذين كانوا يعملون في أسواق المدينة. وأنشأت الحكومة في الجزء الشمالي من المدينة حي البيطرة والمطار والدايات وحديقة الحيوانات.

ويعتبر حي أصوصا من الأحياء القديمة الواقعة جنوبي المدينة وكان عبارة عن ثكنات لأسرى الجيش الإيطالي، (وأصوصا كلمة إيطالية معناها الثكنات كان يقطنها جنود الشرطة وقوات دفاع السودان الذين كانوا يقومون بحراسة الأسرى).

وقام الإنجليز ببناء ثكنات للجيش في الموقع الحالي(الحامية) أوكل تنفيذها لمقاول إيطالي. وفي الجزء الشرقي قامت الحكومة بتنفيذ مشروع أحمد الجاك وذلك بزراعة أشجار البان والطلح، وجاء اسم أحمد الجاك من اسم الملاحظ الذي كان يشرف على المشروع وهو اويور أحمد الجاك. والذي كان جندياً بقوات دفاع السودان برتبة شاويش. (أوو، 2021م)

أمّا منطقة الري المصري في ملكال فهي تعتبر علامة فارقة في تحول ملكال من قرية صغيرة إلى مدينة تعج بالحيوية، وذلك عندما وقع عليها الإختيار بواسطة المصريين لتكون مركزا للأبحاث وقياس مناسيب النيل الأبيض. بعدما غمرت الفيضانات منطقة التوفيقية نسبة للخديوي توفيق باشا، وقد تمّ إختيار الموقع نسبة لارتفاعه النسبي، في مساحة تقدر بحوالي تسعة كيلومترات مربعة، وقد بدأت التحضيرات المبكرة لتأسيسه في الأعوام 1903م-1904م، حيث تم إنشاء المكاتب والمنازل، وفي الأعوام 1905م-1906م، تمّ بناء نمرة 8،9،10 إلى جانب المكاتب ومرسى البواخر والورشة، وشملت المنشآت أيضاً النادي العربي والمدرسة المصرية، وقد غلب الطابع المصري على كل المنشآت، إلى جانب السفلتة الداخلية للطرق، وقد شيدت أغلب المباني من الطوب الأحمر والحجارة التي كانت تستجلب من منطقة جبل أولياء في الشمال، وقد لعب الري المصري دوراً كبيرا في تطور مدينة ملكال ونقلتها التي ميزتها عن بقية المدن الأخرى في جنوب السودان.

وفي العام 1945م تم تخطيط سوق مدينة ملكال وبنائه، وكان ينشط به عدد من التجار الشماليين(الجلابة) بالإضافة للأغاريق (إدريس ب.، 2020م)، وكان الأغاريق يديرون أعمالاً صناعية صغيرة في تلك الفترة من بينها مصانع المشروبات الغازية مثل البيبسي كولا (Nyaba,2021:50)، والسوق الكبير كان يسمى بسوق (كال وارجوك) لأنّ معظم الخضراوات التي تباع فيه كانت تأتي من تلك القرية.

هذا وكان سكان مدينة ملكال منذ البداية خليطا من مختلف المجموعات السكانية المقيمة في أعالي النيل وبقية أنحاء جنوب السودان والسودان، حيث يوجد الشلك والدينكا والنوير والزاندي الذين تم تجنيدهم في المهدية وخليط من النوبة والفور إلى جانب بعض الموظفين والعمال الشماليين الذين عملوا بالري المصري.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى